التوظيف الجديد... غياب المعايير والعدالة
قرارات التوظيف الجديدة التي تنتهجها الجهات العامة فاقدة للمعايير والشفافية والعدالة، هذا ما هو عليه الأمر اليوم. ورغم البدء بهذا النهج في التوظيف الجديد وملء الشواغر - إن صحّت تسميته نهجاً - إلا أننا آثرنا التريث بطرحه لاستبيان أكثر وضوحاً من المؤشرات الأولى. وفعلاً لم تخيّب الحكومة ظن الكثيرين وشكوكهم، واستمرت باتباع طرق وأساليب وقرارات توظيفية دون معايير أو مرتكزات قانونية صحيحة أو واضحة، آخذةً بالتعاقد مع آلاف الكوادر الجديدة في أغلب الوزارات والمؤسسات والمديريات والهيئات الحكومية بعقود لا تأخذ صفة قانونية ممهورة بأختام وتواقيع حكومية، ومطرزة بأجور بالدولار خارجة عن السياسة الأجرية المحددة بسلم الأجور والرواتب الحالي، وبأضعاف مضاعفة، تحت حجج وذرائع لا تليق بناطقها ولا سامعها، وتبريرات غير مسبوقة.
فمن السهولة أن تعرف أن إحدى الهيئات قامت بتوظيف عشرات الموظفين كخبرات ومستشارين بعقود تتراوح بين 700 دولار إلى 2000 دولار شهرياً، إضافة للتعويضات وساعات العمل الإضافي. لماذا؟ لأنهم «خبرات ضرورية» تحتاجهم تلك المؤسسة! دون ضوابط عامة واضحة لآلية احتساب تلك الأجور أو ضرورات هذا النوع من التوظيف، وكأن الملاكات الأصيلة الموجودة أصلاً قد خلت من خبرات تصلح للدور أو الوظيفة المطلوبة. والأغرب من ذلك أن العديد من الجهات قامت بفصل الكوادر السابقة لتأتي بكوادر جديدة بعقود غير مفهومة.
لا تكاد تخلو جهة حكومية صغيرة أو كبيرة من هذه الظاهرة، وإن خلت فسترى الموظفين مستغربين من ذلك. فغالبية الجهات أصبحت تعج بهذه الظاهرة الفريدة «خيار وفقوس». وحين حاولنا فهم معيار التوظيف، أجمع الموظفون أن هؤلاء «المدللين» من خلفية ثورية، أو كما تقول «لجان التقييم»: «له تاريخ ثوري»، أي أن هذا المعيار أساسي عند المقررين، وهذا يشبه «التزكية البعثية السابقة». وبأن المعيار الآخر هو الكفاءة، وهذا أيضاً غائب بشكل كبير لا يصلح معه التعميم. ويبقى السؤال الذي يتداوله الموظفون همساً - كما جاء على لسان الحاج المعترض «الترند»: إن كان لا بد من الإصلاح ورفع الكفاءة وترميم الشواغر، فلماذا لا توجد معايير علمية ودقيقة وشفافة؟ وإن كان من الواجب إعطاء حقهم بأجر يتناسب مع معيشتهم وكفاءتهم، فهذا ينطبق على الجميع دون استثناء. وغير ذلك سيكون من المجحف المضي بهذا الموضوع على هذه الطريقة. ومهما حاولنا أن نأخذ الأمر بحسن النوايا، فلن نستطيع لذلك سبيلاً، فالذي يحصل في الواقع لا يدل على شيء غير أن هناك «واسطات» ومحسوبيات وتعيينات نفعية «تنفيعة»، يطابق ما كان تقوم به السلطة السابقة ولكن بأسلوب جديد. فقد جرت العادة أن يكون هناك موظفون على جدول الرواتب مثلاً دون أن يلتحقوا بالوظيفة، أو أن تسعى الواسطة لوضعه في وظيفة «فيها براني» حساسة تدر على شاغلها أموالاً تفوق راتبه بأضعاف. وبذلك تكون هذه السياسة في التوظيف تتطابق في الأهداف وتتمايز في الأساليب والطرق، وكلاهما أسوأ من الآخر نتيجة وأسلوباً.
جهاز الدولة مرآة السلطة
إن إصلاح جهاز الدولة بكل مفاصله مطلب وطني واجتماعي عام لا يختلف عليه اثنان، وهو ضرورة وطنية ومجتمعية بامتياز، كونه قد أصابه النخر حتى وصل للعظام بفعل تحويله من قبل السلطة الساقطة لمغنم ومركز نهب عالٍ عبر أدوات تبدأ بالقوانين وتنتهي بالأفراد. ولا يبدو أن السلطة الحالية قد قدّرت هذا الأمر حق تقديره، وإن كانت راغبة بإصلاحه واستعادة دوره الحقيقي حقاً، عليها ألا تعيد تجربة من سبقها، وإن غيرت الشكل فإن المضمون واحد، وبالتالي فالنتائج ستبقى نفسها، وستفرز مئات الأزمات التي لم يعد وارداً تفاقمها واستمرارها. ويجب العمل على وضع نهج متكامل يجمع بين مصلحة العمل والعمال معاً على قاعدة من العدالة الوظيفية والاجتماعية، تستنهض القطاع العام وتضعه في موقعه ودوره المفترض. ولن تكون الشعارات كافية لذلك. أما إن استمر التعاطي معه على أنه مغنم للتحاصص والمكافآت «الثورية»، أو بأنه معهد لتجربة وتدريب الكوادر البشرية، فإن الأمور ستذهب بنا لانهياره ليس بالمعنى التنظيمي، بل بمعنى الدور والمكانة. فأكثر ما يحتاجه السوري اليوم جهاز دولة كامل الدور، واسع الرؤية، شديد المتانة، ونموذجاً للعدالة الاجتماعية والكفاءة الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1251
قسم الشؤون العمالية