النوايا لا تكفي وإلغاء جميع القرارات مطلب عماليّّ واحد
شهد الأسبوع الماضي جملة من التصريحات الإعلامية لرئاسة الاتحاد العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعضها منشورات وأخرى لقاءات صوتية تُظهر بشكل واضح محاولات جدية ونشطة من قبل الاتحاد العام للتأثير على الملفات الكبرى وذات الأولوية القصوى وعلى رأسها قضية العمال المتضررين من جملة القرارات الحكومية التي أدت إلى فصل وتعطيل وإنهاء عمل مئات آلاف العمال في مختلف القطاعات والتجمعات، ورغم وصفنا للمحاولات بأنها جدية ونشطة إلا أنها ما زالت بعيدة عن الدور المفترض للتنظيم النقابي من جهة، وضعيفة التأثير مقارنة بوزن المنظمة العمالية و حجمها الفعلي من جهة أخرى، وبرز من جملة تصريحات رئيس الاتحاد المتعلقة باجتماعه مع وزارة التنمية الإدارية «توجد معلومات تفصيلية حضرت ضمن الاجتماع لا نستطيع التصريح بها حتى لا تسبب حساسية، فقد كانت هناك نقاشات حادة، فكما نعلم الحكومة تعتبر رب عمل وإعادة أي عامل يعتبر عبئاً مالياً عليها» انتهى الاقتباس.
كان هذا التصريح الذي اقتبسنا منه متعلقاً بالعمال المفصولين بمرحلة السلطة الساقطة الذين فصلوا لأسباب سياسية أو أمنية والذي لا يختلف اثنان على مدى مظلوميتهم وحجم الضرر الكبير الذي عانوا منه وما زالوا عليه، مع استثناء من فصل لأسباب تتعلق بالفساد أو غيرها من القضايا التي من المفترض أن تبت به القوانين والقضاء المختص، وهذا ما تتفق عليه جميع الأطراف وعملياً فان هذا الملف من أسهل الملفات وأبسطها، ورغم ذلك ووفق التصريحات جرى عليها نقاش حاد تُمانع الحكومة إجراءاته تهرباً من العبء المالي المصاحب لعودتهم إلى عملهم وعودة أجورهم وتعويضاتهم فكيف بالملفات الأكثر تعقيداً والمختلف عليها بشكل كبير كموظفي العقود غير المجددة أو الموظفين عبر مسابقة المسرحين و«ذوي الشهداء» والمفرغين «أحزاب ومنظمات» والموظفين المدنيين في وزارتي الدفاع والداخلية وغيرها من الملفات الأخرى التي تطول قوائمها الاسمية وتطول مدة بقائها دون حلول تنهي مظلومية العمال وتراعي حقوقهم دون زيادة أو نقصان على مبدأ العدالة المتكاملة التي تفرز الصالح عن الطالح وتنصف الأول وتحاسب الثاني وتبدأ بكبيرهم قبل صغيرهم عبر مؤسسة قضائية مستقلة ونزيهة وهذا ما يريده العمال حقاً.
الحكومة تأخذنا حيث تريد
نلاحظ من خلال مجمل نشاطات وتصريحات الاتحاد العام نوايا حقيقية لتحقيق نتائج كبرى في قضية القرارات الحكومية السابقة التي طالت عمال وموظفي القطاع العام وإذا ركزنا على الخطاب بشكل عام سنرى انخراط التنظيم النقابي بالتفصيل والتقسيم التي اتبعته الحكومة في جملة القرارات وهذا ما نجحت به الحكومة بامتياز حين جرته إلى هذا المكان وفرضت عليه العمل والنقاش المجزّأ وأصبحت القضية الواحدة عدة قضايا يسهل على المسؤولين الحكوميين الخوض بها وبنتائجها وتشتيت المسؤولين النقابيين والرأي العام فيما بينها فسواء كان هذا التقسيم مقصوداً أو غير مقصود فالنتيجة واحدة لكونها قسمت القرارات الأولى بين فصل وإجازة مأجورة وعدم تجديد عقود، وقرارات «الخط الأحمر» ثم عادت وقسمت كل قطاع على حدة فالتعليم غير الصحة والمصارف غير المعابر والجمارك وقطاعات الجباية غير القطاعات الخدمية الصرفة وهذه المحافظة غير تلك المحافظة وهكذا دواليك مما أعطى انطباعاً بنتائج أقل ضرراً من الواقع وذوبت القليل بالكثير فتاهت القوى بين هذا وذاك وكثرت المطالبات والاجتماعات والتصريحات وبين أخذ وردّ، والتراجع عن قرار سابق، ثم قرار جديد ثم قرار ينهي الإجازات تنفذه كل وزارة على مزاجها إلى أن أصبح لكل قضية خصوصيتها ولكل مظلومية مبرراتها، ووعود وآمال وقيل وقال، وبالنتيجة النهائية تم تفتيت النتائج دون علاج أو حلول شاملة وتصبح إعادة بضع عشرات من العمال لعملهم إنجازاً عظيماً تثبت فيها الحكومة عدالتها وحسن نواياها ويثبت بها التنظيم سعيه ودوره ورغم أهمية نتيجة كتلك، لكنها بالحقيقة الملموسة هي التملص من معالجة الكل بالاكتفاء بالبعض وهذا ما لا يصب بمصلحة العمال والنقابات معاً.
وحدة البرنامج ... وحدة العمل
تحتاج المنظمة النقابية إلى أمرين بالغَي الأهمية أولهما تقدير وزنها الفعلي وفهم قدراتها وتعدد أدواتها والخروج من الفكر والعقلية السابقة المصاحبة للسلطة البائدة وتبني عقلية تتناسب مع وزنها ودورها وضرورات المرحلة التي تمر على البلاد، وثانيهما الحفاظ على وحدتها إرادةً وإدارةً وبرنامجاً وممارسةً، والانطلاق من العام إلى الخاص من خلال صياغة القضايا والاستحقاقات التي أمامها وصياغة موقف عام وصلب يحشد القوى ويعزز الوحدة ضمن حقوق الجميع دون استثناء أو تشتت وهذا ليس بالأمر الصعب فكل ما يحتاجه الأمر ممارسة المركزية الذكية والواعية فالتكوين التنظيمي للمنظمة يتيح لها العمل عبر الهيئات كافة، فيجمع بين العام والخاص، فإذا قام الاتحاد العام بصياغة برنامجه النضالي ضد القرارات الحكومية على قاعدة إلغاء جميع القرارات السابقة وتشكيل لجان مختصة للتقييم والمحاسبة وفرز الفساد بمشاركة المؤسسة القضائية، والتنظيم النقابي ورقابته سهل على كامل الهيئات تحويل العام إلى خاص فتخوض معاركها وفق خصوصية تمثيلها بدءاً باللجان النقابية ومروراً بمكاتب النقابات واتحاد المحافظات وانتهاء بالاتحادات المهنية، وتتضح الرؤية حينها عند الجميع ويتوحد العمل وتثمر النتائج وخير دليل على ذلك عشرات الاحتجاجات التي خرجت ضد القرارات والتي كانت تمثل موظفي مؤسسة وقطاع أو وزارة أو مدينة أو محافظة ورغم تحولها إلى أداة ضغط مستمرة على الحكومة وتحقيقها لبعض النتائج إلا أنها بقيت نسبية وغير كافية فماذا لو أنها كانت موحدة حول برنامج اتحادها العام يقودها ويسير بها نحو مطالبها بشكل منظم وعملي ألم تكن ستحصدها كلها بدل فتات يحي البعض ويميت الباقيين؟ ومع مرور الشهر تلو الآخر وبقاء نتائج القرارات شاهدة على جورها وقسوتها على العمال المتضررين وعائلاتهم الذين يقبعون تحت خط الفقر والصحة والكرامة «هذه هي الخطوط الحمراء» يستمرون بآمالهم كما استمروا بمطالبهم ينتظرون من تنظيمهم النقابي ما يساوي واقعهم الكارثي الذي لا خلاص منه إلا باسترجاع حقهم بالعمل والأجر والتعويض والوطن، فهل ذلك عليهم بكثير؟ وهل ذلك على الاتحاد العام بعسير؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1249
هاشم اليعقوبي