الفساد والليبرالية
الليبرالية تعني حرية السوق بتنظيم نفسه، أو بالمعنى الصريح حرية المستثمرين ورجال الأعمال في السيطرة على مفاصل الاقتصاد والثروة في البلاد، عن طريق سحب يد الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال بيع القطاع العام وإنهاء دوره، لتحل محله قوى السوق الخفية التي تتحكم في لقمة ورقاب العباد، والتي تسعى نحو الربح فقط دونما أي اعتبارات أخرى، وبالتالي تحول كل شيء إلى سلعة، حتى حقوق المواطن الأساسية تصبح مجرد سلعة لا يقتنيها إلا القادر على شرائها فقط.
وعادة ما يتم بيع القطاع العام ومصانعه تحت حجج كثيرة، أهمها أن هذه المعامل والمصانع خاسرة، وهي عملياً ليست خاسرة بل مُخسَّرة بفعل السياسات الاقتصادية الليبرالية والفساد الذي قادها نحو الخسارة تمهيداً لبيعها للقطاع الخاص.
الليبرالية تفتح أبواباً واسعة للفساد
وإذا كان البعض يروج أن الليبرالية يمكنها القضاء على الفساد الذي استشرى في مؤسساتنا الحكومية، وأن القطاع الخاص وحده القادر على مكافحة الفساد والروتين، فهذا كلام مردود عليه، لأن الليبرالية نفسها تعني عقد صفقات فساد كبرى يجري من خلالها بيع القطاع العام بأسعار بخسة ولمستثمرين محددين وربما مرتبطين بالخارج.
فالليبرالية تعمق من الفساد وترفع من فاتورته، ومن راكم الأموال من خلال نهب القطاع العام هو نفسه يأتي اليوم ليصبح مستثمراً للقطاع العام واعداً بمستقبل زاهر للاقتصاد!! فالليبرالية تؤدي لسيطرة الفساد على البلاد.
الليبرالية والفساد مرتبطان ارتباطاً عضوياً لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، بل يعتبر الفساد ممهداً لليبرالية، والليبرالية تعمق وتوسع دائرة الفساد وترفع من خطره لدرجة أنها تهدد وجود البلد بحد ذاته، بسبب ما تسببه من فقر لأغلبية الشعب تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية تتحول إلى انفجارات أمنية.
في الليبرالية الجميع يغرق بالفساد
فلا يستقيم إذاً كلام حكومة ما عن مكافحة الفساد وهي تطبق سياسات اقتصادية ليبرالية، ولا يمكن لأي أحد أن يستطيع مكافحة ولو الفساد الصغير حتى، لأن الليبرالية تدفع جميع فئات المجتمع نحو الفساد، لأن بقاء المواطن على قيد الحياة مرتبط بتأمين احتياجاته، وهو لا يستطيع تأمين احتياجاته المعيشية سوى عن طريق الفساد، بسبب حصر الثروة الوطنية في أيدٍ قليلة، ولا يبقى للأغلبية سوى النذر القليل، وستتصارع فيما بينها، وسترتكب الجرائم للحصول على ما يبقيها على قيد الحياة، وسيتهرب العمال من العمل بسبب قسوة ظروفه ولإيمانهم بأنهم لا يتقاضون أجورهم كاملة، فتُكسر روح العمل والإبداع لديهم.
لذلك في الأنظمة الليبرالية تنهار أخلاق المجتمع وتزداد نسبة الجرائم، وخاصة جرائم الغش والسرقة والقتل من أجل المال والتجارة بالممنوعات، ولن يستطيع أي جهاز أمني ضبطها، ناهيك عن جرائم كبار الفاسدين التي تبقى بعيداً عن الأضواء ويتم التستر عليها، والتي يرتكبها هؤلاء يومياً بحق الشعب وكرامته.
القمع يتناسب طرداً مع الليبرالية
كما تعني الليبرالية الحرية للمستثمرين، فهي تعني الديكتاتورية لباقي فئات الشعب. فالليبرالية لم يرافقها حرية سياسية كما سُوِّقت لنا، بل ترافقت مع قمع للشعب لمنعه من الاحتجاج على أوضاعه المعيشية. وللحفاظ على الثروة بأيدٍ قليلة، لا بد من جهاز أمني قوي يقمع المطالبين بحصتهم من الثروة، إضافة إلى الوسائل الناعمة الأخرى التي توهم الشعب بأن مشكلته ليست مع هؤلاء بل في أخلاقهم وذواتهم، وأن ما يعانون منه من فقر وجوع سببه أفعالهم.
لذلك يرتقي دفاع العمال والأحزاب الوطنية عن العدالة الاجتماعية ومحاربة الليبرالية إلى مستوى الدفاع عن الوطن بأكمله، ويعتبر مهمة وطنية بامتياز، فالموقف من الليبرالية بات يعني مع الوطن أو ضده.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1244