قانون ولكن...
 هاشم يعقوبي  هاشم يعقوبي

قانون ولكن...

في تاريخ 30 حزيرانَ الماضي، أصدرتْ وزارةُ التنميةِ الإداريةِ قراراً رقمَ 302 القاضي بتشكيلِ لجنةِ الصياغةِ النهائيةِ لمشروعِ قانونِ الخدمةِ المدنيةِ، ليحلَّ محلَّ القانونِ الأساسيِّ للعاملينَ في الدولةِ رقمَ 50 لعام 2004. وتضمَّنَ القرارُ أسماءَ اللجنةِ البالغ عددُهم 11 عضواً، ليصدرَ لاحقاً قرارٌ جديد تحتَ رقمِ 316 بتاريخِ 7 تموز، والذي ينصُّ على إضافةِ عضوينِ للجنةِ المشكَّلةِ يمثلانِ الجهازَ المركزيَّ للرقابةِ الماليةِ والاتحادَ العامَّ لنقاباتِ العمالِ على التوالي، وذلك بعدَ أن اعترضتِ الأوساطُ النقابيةُ والعماليةُ على عدمِ وجودِ ممثلٍ للتنظيمِ النقابيِّ في اللجنة، في تدارُكٍ واستجابةٍ إيجابيةٍ من الوزارةِ المعنية. 

وتداولتِ الأوساطُ النقابيةُ والمهتمةُ بالشأنِ العماليِّ هذينِ القرارينِ وموضوعةَ تشكيلِ اللجنةِ، واختلفتِ الرؤى حولَ العديدِ من الجوانب، بدءاً بتسميتِه بقانونِ الخدمةِ المدنيةِ، مروراً بتوقيتِ طرحِه، وليسَ انتهاءً بآليةِ اعتمادِ القانونِ لاحقاً. ومن المفيدِ الخوضُ في هذا الملفِ لأهميتِه البالغة. 

نبدأ من التعريف الاصطلاحي للجنة ودورها وفق القرار، فنقتبس: «تشكيلُ لجنةِ الصياغةِ النهائيةِ لمشروعِ قانونِ الخدمةِ المدنيةِ ليحلَّ محلَّ القانونِ الأساسيِّ للعاملينَ في الدولةِ رقم 50».

تخوُّفٌ محقٌّ ومبرَّر

أولاً: يعرِّفُ القرارُ اللجنةَ بأنها لجنةُ صياغةٍ نهائيةٍ لمسوَّدةٍ سابقةٍ عملتْ عليها لجانٌ فنيةٌ في الوزارةِ خلالَ الأشهرِ السابقة، وكلُّ تلك النقاشاتِ والمُداولاتِ على المسوَّدةِ كانتْ بعيدةً عن الوسطِ النقابيِّ والطبقةِ العاملة، ولم تُطرَحْ للنقاشِ العامِّ أصلاً أو للإعلام. وهذا لا يُبشِّرُ بخيرٍ، فمن المفترضِ أن يكونَ أصحابُ العلاقةِ مشاركينَ حقيقيينَ منذُ اللحظاتِ الأولى، فهم المعنيونَ بالقانونِ بالدرجةِ الأولى. حتى أنَّ تلك النقاشاتِ وصياغةَ المسوَّدةِ لم يكنْ للتنظيمِ النقابيِّ فيها أيُّ دورٍ، خاصةً أنها -وفقَ الوزارةِ- عملتْ لشهورٍ على هذه المسوَّدةِ، والتي ستكونُ المرتكزَ الأساسَ لعملِ اللجنةِ المُوكلِ إليها الصياغةُ النهائيةُ لمشروعِ القرارِ، وهذا ما ينحصرُ عليه دورُها. 

ثانياً: تسميةُ القانونِ بمسمى «الخدمةِ المدنيةِ» محلَّ قانونِ العملِ، تجعلُنا نتخوَّفُ من أن يكونَ مشابهاً لما كانتْ تطمحُ إليه الحكوماتُ المتتاليةُ في عهدِ السلطةِ البائدةِ السابقةِ، حيثُ تمَّ الترويجُ لهذا المسمَّى ومحاورِ مضمونِه، ووُضِعَ لاحقاً في الدرجِ برفقةِ عناوينَ أخرى كـ«التشاركيةِ» وقانونِ عملِ القطاعِ الخاصِّ. ونأملُ أن يكونَ التطابقُ بالمسمَّى فقط، بعيداً عن المضمونِ الذي تخشاهُ الطبقةُ العاملةُ المتعارضِ مع مصالحِها. 

ثالثاً: تشيرُ الصياغةُ إلى أنَّه سيحلُّ محلَّ القانونِ الحاليِّ رقمَ 50، دونَ التطرُّقِ للقانونِ رقمَ 17 الخاصِّ بعمالِ القطاعِ الخاصِّ، أي أنَّ الوزارةَ لا تفكِّرُ أصلاً بالمطلبِ العماليِّ النقابيِّ الدائمِ على مرِّ العقودِ، والمتمثِّلِ بوضعِ قانونِ عملٍ موحَّدٍ للقطاعِ العامِّ والخاصِّ. وعلى فرضِ أنَّ اللجنةَ نجحتْ وأخرجتْ مشروعَ قانونٍ تقدُّميٍّ يُلبِّي مصلحةَ العمالِ، فإنه سيكونُ غيرَ مكتمل لعدمِ شمولِه لعمالِ القطاعِ الخاصِّ، وهو ما يتعارضُ مع مصلحةِ جميعِ العمالِ في القطاعينِ ووحدتِهم. 

رابعاً: من الطبيعيِّ أن يكونَ عملُ اللجنةِ إصدارَ مشروعِ قانونٍ لا قانوناً، كونَ ذلك ليسَ من صلاحياتِها، بل من صلاحياتِ السلطةِ التشريعيةِ غيرِ الموجودةِ بعدُ، بانتظارِ انتهاءِ تشكيلِ مجلسِ الشعبِ الآتي. ويبقى السؤالُ الأهمُّ عندَ الطبقةِ العاملةِ والحركةِ النقابيةِ: ما العملُ إذا كانَ مشروعُ القانونِ لا يُلبِّي تطلعاتِ ومصالحَ الطبقةِ العاملةِ؟ وما أدواتُ الاعتراضِ والتعديلِ والممانعةِ؟ مَن سيصوتُ ويقرِّرُ في اللجنةِ المشكَّلةِ ليصدرَ المشروعُ؟ ومَن سيصوتُ تشريعياً لإصدارِ القرارِ؟ من هنا تبرزُ أهميةُ وجودِ ممثلي الطبقةِ العاملةِ في اللجانِ الفنيةِ واللجنةِ الوزاريةِ والمجلسِ التشريعيِّ. وخيراً فعلتِ الوزارةُ بتوسيعِ اللجنةِ لتضمَّ ممثلاً عن التنظيمِ النقابيِّ قبلَ أن تقعَ «الفاسُ بالراسِ»، ولكن هل هذا كافٍ؟ 

الكثرةُ تغلبُ الشجاعة

تجنُّباً لإخراجِ قانونٍ لا يصبُّ في مصلحةِ الطبقةِ العاملةِ، من المفترضِ استكمالُ الخطوةِ الإيجابيةِ المتمثِّلةِ بوجودِ عضوٍ نقابيٍّ ضمنَ اللجنةِ، بتوسيعِ التمثيلِ العدديِّ ليعيدَ التوازنَ للجنةِ. فالحكومةُ تبقى ربَّ عملٍ بالنسبةِ للعمالِ، ووجودُ ممثلٍ واحدٍ لا يُنجزُ هذا التوازنَ الكمِّيَّ المفيدَ في النقاشاتِ والصراعاتِ الفكريةِ التي تنتجُها اللجانُ عادةً. «الكثرةُ تغلبُ الشجاعةَ». 

هذا من جانبٍ، أما من جانبٍ آخرَ، فممثلٌ واحدٌ عن منظمةٍ بحجمِ نقاباتِ العمالِ وحجمِ مطالبِها المتراكمةِ ومظلوميتِها التاريخيةِ وغناها الفكريِّ والحقوقيِّ والقانونيِّ، لن يكونَ كافياً وشاملاً. بل يجبُ أن تكونَ مجموعةً متكاملةً باختصاصاتٍ متعددةٍ: قانونيةٍ وتشريعيةٍ وتنظيميةٍ. ويجبُ أن تُعطَى «حقَّ الفيتو» على أيِّ مادةٍ تمسُّ بالمصالحِ الأساسيةِ للعمالِ، كي لا نتجرَّعَ مثلاً سُّمَّ المادةِ 137 من قانونِ العاملينَ مرتينِ (برقبتِها آلافُ المسرحينَ بشكلٍ تعسفيٍّ). 

وهنا يأتي دورُ النقاباتِ للمطالبةِ بتوسيعِ تمثيلِهم في اللجنةِ الخاصةِ بمشروعِ القانونِ، وفرضِ آليةِ التصويتِ عليه. وكلُّ ذلك لا ينفي طرحَهُ للنقاشِ العامِّ قبلَ التوجُّهِ بهِ للمجلسِ التشريعيِّ، كي يدليَ العمالُ والنقابيونَ بدلوِهم، ويتداركوا أيَّ ثغراتٍ تضرُّ بمصالحِهم الطبقيةِ والحقوقيةِ.

مفصلٌ مهمٌّ لقرنِ الفعلِ بالقولِ

الطبقةٍ العاملةٍ عانتْ ما عانتْه خلالَ العقودِ الماضيةِ، فهي ليستْ قادرةً على حملِ المزيدِ من المعاناةِ وسلبِ الحقوقِ. وعليهِ، فإنَّ دورَ التنظيمِ النقابيِّ هو المبادرةُ لانتزاعِ حقِّها بالمشاركةِ في القراراتِ والمساراتِ، وخاصةً تلك التي تمسُّ الاقتصادَ الوطنيَّ والقطاعَ العامَّ والخاصَّ المنتجَ، وسائرَ العاملينَ بأجرٍ والمعطلينَ. وأن يكونَ ممثلاً حقيقياً لمصالحِهم، مدافعاً عن حقوقِهم المشروعةِ المحقةِ. فأيَّ خسائرَ قد نتعرضُ لها بالمعنى القانونيِّ اليومَ، ستدفعُ الطبقةُ العاملةُ ثمنها لسنينَ، وبشكلٍ يوميٍّ. وستكونُ المعاركُ الطبقيةُ اللاحقةُ محسومةً قبلَ أن تبدأَ لصالحِ رأسِ المالِ الطامعِ واللاهثِ وراءَ كلِّ ليرةٍ يضيفُها لأرباحِه على حسابِ لقمةِ عيشِ العمالِ المأجورينَ وعائلاتِهم المحرومةِ من أدنى حقوقِ المعيشةِ الكريمةِ. 

فهل ستبادرُ المنظمةُ لمثلِ هذا، وتكونُ بذلكَ قد أثبتتِ القولَ بالفعلِ؟ حيثُ صرَّحَ رئيسُ الاتحادِ العامِّ منذُ أيامٍ أمامَ وسائلِ الإعلامِ بأنَّ: «الاتحادَ العامَّ استطاعَ أن يفرضَ نفسَهُ كمؤسسةٍ لها ثقلُها ووجودُها واحترامُها ضمنَ التوجهِ العامِّ للدولةِ، خاصةً تلك التي تتعلقُ بالمواضيعِ العماليةِ والنقابيةِ وتحسينِ الظروفِ المعيشيةِ ورفعِ دخولِ العمالِ». وبما أننا أمامَ استحقاقٍ حقوقيٍّ كهذا، فهي فرصةٌ كبيرةٌ للاتحادِ العامِّ كي يمضيَ قدماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1233