الفقر وأوضاع الفقراء
هل تتصورون صعوبة الحياة اليومية بالعيش بأقل من دولارين يومياً؟! هذا الواقع المزري يعيشه كل العاملين بأجر والمتقاعدون في سوريا، وهم يصارعون الفقر المدقع بمختلف أشكاله. يقيم معظمهم في الأحياء العشوائية وغيرها من الأماكن المصنفة دون الدرجة الأولى، سواء في المدن أو الأرياف.
الفقر ليس مجرد نقص في الدخل والموارد اللازمة لضمان سبل العيش، بل يتجسد بأشكال متعددة، منها سوء التغذية والجوع، وانخفاض مستوى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم بجميع مراحله، والتمييز الاجتماعي والإقصاء، فضلاً عن عدم المشاركة في صنع القرار عبر ممثليهم المفترضين في النقابات أو اتحاد الفلاحين وغيرها من أشكال التمثيل الحقيقية، مما ينعكس سلباً على المجتمع.
التضليل الممنهج وتفتيت الفقراء
تعرّض الفقراء في سورية منذ ما قبل سبعينيات القرن الماضي لعملية تضليل ممنهجة تعتمد على تجزئة القضايا الأساسية وتصويرها على أنها غير مترابطة، عبر الفصل في الخطاب بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بهدف تقسيم الفقراء على أسس سياسية وطائفية وقومية، وطمس الصراع الطبقي الذي يوحدهم حول مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية وحقوقهم المسلوبة، بما فيها الديمقراطية. كل ذلك لمنع وحدة الفقراء في مواجهة قوى الاستغلال والفساد المسيطرة، وإعاقة ظهور حركة مطلبية تطالب بالحقوق المعيشية والاجتماعية.
تزايد الفقر
منذ ستينيات القرن الماضي، تشهد معدلات الفقر في البلاد ارتفاعاً مستمراً، خاصة في أوساط الطبقة العاملة، حتى أصبح اليوم – ودون مبالغة – كل العاملين بأجر يعيشون تحت خط الفقر العالمي، معرضين لخطر الاستمرار في فقر مدقع. ازدياد الفقر واستفحاله في المجتمع إدانة سياسية وأخلاقية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية السائدة، حيث يعاني أكثر من 90% من السكان من الفقر، خاصة العاملين بأجر.
مسؤولية الدولة والنقابات
يجب أن يكون القضاء على الفقر بجميع أشكاله أولوية للسلطة، خاصة العاملين بأجر. كما أن النقابات مطالبة بتحمل مسؤوليتها في تمثيل مصالح الفقراء، وليس الاكتفاء بالخطابات الرنانة. على الدولة تبني سياسات اقتصادية داعمة للفقراء عبر استراتيجيات تنموية تضمن فرص العمل للجميع، وتوفير الخدمات الأساسية، وتوزيع الثروة الوطنية بعدالة.
الأزمة واحدة والحلول متكاملة
كشفت الأحداث، خاصة بعد سقوط النظام السابق، أن أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية مترابطة، وأن فصلها هو نهج القوى العاجزة عن إيجاد الحلول. على النقابات، خاصة العمالية، أن تسأل نفسها: أي اقتصاد يريده الفقراء؟ وأي خيارات سياسية واجتماعية تخدمهم؟ هل هناك حلول خارج إطار الليبرالية الجديدة التي تزيد الفقراء فقراً؟
إن سياسات الانفتاح الاقتصادي العشوائي، وفتح الباب للمستوردات التي تدمر الإنتاج المحلي، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، كلها عوامل تساهم في إفقار المجتمع. التحولات الاقتصادية الحالية لا تقضي على الفقر، بل تزيد أوضاع الفقراء سوءاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1231