لماذا تقف الطبقة العاملة ضد الدردرية؟
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

لماذا تقف الطبقة العاملة ضد الدردرية؟

هل تعلم يا أخي العامل أن عبد الله الدردري قام خلال الأيام الماضية بزيارته الثانية إلى البلاد مترأساً وفداً من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟

وكالعادة فإن الأسماء الجميلة والبراقة للصناديق والمنظمات والبرامج تعطي إيحاءات إيجابية المعنى والهدف، مما يجعل الكثيرين يتأملون خيراً بمجرد ورود اسم سورية ضمن تصريحات مسؤوليها والدول الراعية لها. فما بالك إن كان هناك زيارة طويلة عريضة لوفد من البرنامج الإنمائي برئاسة المدير الإقليمي ذاته القادم لمسقط رأسه ليسلم رأسنا لصندوق النقد الدولي، سواء من خلال قروض انتهازية ومشروطة أو من خلال مساعدات «تخديرية» الطابع لا تتعدى كونها حبة «سيتامول» لمريض في العناية المشددة. وهذه ليست مزحة بل هي الجد بعينه. فجوهر ما صرح به سيادته هو أهمية فتح التفاوض بين سورية والبنك الدولي كي تحظى بمساعدته، والتمهيد في الوقت ذاته الطريق لزيارة الوفد السوري المشارك في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي ستُعقد في واشنطن في وقت لاحق هذا الشهر. ولم ينسَ المذكور تزيين تصريحاته بأرقام تتضمن ملايين الدولارات الداعمة للمشاريع الصغيرة وأجور القطاع العام وغيرها. وقد يسأل أحدهم: أين الضير في ذلك؟ ولماذا نعتبر زيارة وتصريحات الدردري هي الشؤم بعينه كأنه تأبط شراً ودخل علينا؟ وما سر عداء الطبقة العاملة والقابعين تحت خط الفقر للدردري وبرنامجه وصندوقه وبنكه الدوليين، في حين يُسوق له داخلياً وخارجياً على أنه المخلص والمنقذ وحاصد المليارات التي ستنتشل الاقتصاد السوري من تحت الأنقاض فتزدهر حياة السوريين أعظم ازدهار؟!

يشكل أصحاب الأجور في سورية الأغلبية الساحقة من السوريين، وتسميتهم بهذا المصطلح صحيحة ودقيقة كونها توضح تماماً ارتباط حياتهم الاجتماعية والمعيشية بالأجر الذي يحصلون عليه لا شيء سواه. وبالتالي فإن الأجر بالنسبة لهم هو المحدد الأساس لمصلحتهم الطبقية والمعيشية الذي يَزِنون به موقفهم من كامل القضايا والسياسات والبرامج الاقتصادية. فلا أجر بلا عمل، ولا عمل بلا نهج اقتصادي يؤمن الشواغر والوظائف والفرص كماً ونوعاً. وهذا ما يجعلهم حريصين على دور أساسي للدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ترسم السياسات العامة وتضع الخطط المدروسة والذكية المستمدة من خصوصية البلاد ومقوماتها الاقتصادية وضروراتها الوطنية والتي تحقق نمواً مستداماً ينعكس على زيادة فرص العمل من جهة وعلى أجورهم المباشرة وغير المباشرة من جهة أخرى. ونقصد بالأجر غير المباشر هو الذي يحصل عليه العامل عينياً لا نقدياً، من خلال الدعم الحكومي الذي تقدمه الدولة على المواد الاستهلاكية الأساسية والمحروقات وخدمات قطاع الطاقة والنقل والاتصالات وكذلك مجانية التعليم والصحة ورعاية الأطفال والمسنين وغيرها. وهذا لن يتحقق إذا لم يكن النهج الاقتصادي المعمول به حكومياً واستراتيجياً مبنياً على مصالح الطبقات الاجتماعية ككل بشكل عادل وسويّ، بعيداً عن نهج آخر يسمح للطبقة المالية المتنفذة باستغلال الطبقات الأخرى لتحقيق مصالحها ومكتسباتها الذاتية. كل ما سبق يمهد للإجابة على السؤال المطروح: لماذا نخشى الدردرية الاقتصادية بصناديقها وبنوكها وبرامجها ونقف كطبقة عاملة على الطرف المقابل لها؟

اسأل المجرب الحكيم

ليس الأمر من الماضي البعيد حتى ننسى النتائج الكارثية الناتجة عن حقبة حكومة العطري – الدردري وما تبعها من حكومات النظام البائد والتي انتهجت السياسات الاقتصادية الليبرالية راضخة طوعاً لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لتصبح هذه الشروط إماماً لها تحت شعارات ومسميات جذابة وخلابة كالإصلاح الاقتصادي والتحديث والتطوير والسوق الاجتماعي والرفاه والانفتاح وغيرها من العناوين. وكانت كل تلك الشروط لا تلهث إلا وراء الشراكة الأوروبية والاندماج بالاقتصاد العالمي الحر، على قاعدة تقول: دع الأغنياء يغتنون فهم قاطرة النمو. وفعلاً عبر قطار الأغنياء بقاطرته الوحيدة ساحقاً الطبقات الفقيرة والكادحة، فارتفعت معدلات البطالة والفقر المدقع وازداد التضخم وضعفت القوة الشرائية ودخلت جموع من الناس خانة التهميش المقيت. وها هو عرابها يعود مروجاً لها حاملاً لبرنامج المؤسسات الدولية التي تنظر للبلاد كلقمة سائغة يستطيعون التهامها بالتقاسم مع قوى النهب الداخلية التي لا تمتهن غير النهب ومراكمة ثرواتها على حساب منتجي البلاد وكادحيها، مخترقين الصفوف بوعود وترويج واستعراض، تارة تسديد دين يفتح لنا ديناً آخر أشد ثقلاً من الأول، وتارة بنصف مليار دولار أمريكي مجمدة يشرف على فكها ثم صرفها صندوق الدردري كي يذهب نصفها أجوراً لموظفيه ومصاريف إقامة فندقية ونقل ومصروف «جيب»، وأما النصف الثاني فسوف يصرف على مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر هنا أو هناك تذوب في بحر الخراب وطمع الفاسدين.

شروط الصناديق والبنوك مطاحن عظم الكادحين

خلاصة القول: إذا ما نجح هذا المشروع بالمرور وتم تبني سياسات السوق الحر الممهورة بختم صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين والموقعة من عرابها الدردري، فإن ذلك يعني السير بشروط الاقتراض والمساعدات وإعادة الإعمار وقوانين الاستثمار، والتي تعني كف يد الدولة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتركها للسوق الذي يسيطر عليه كبار الناهبين والمتنفذين المدعومين من كبرى المؤسسات الغربية. وسيتم تفصيل النهج الاقتصادي على مقاس المؤسسات الدولية لا على الضرورات الوطنية والاقتصادية، وستجري الخصخصة على أوسع نطاق، وتتلاشى مظلة الحماية الاجتماعية عن الأغلبية المجتمعية الطبقية، ويُمنع الدعم الحكومي والذي يعني خسارة الأجر غير المباشر وتتبخر الخدمات المجانية في الصحة والتعليم، وتخضع قيمة الأجور وسعر السلع للعرض والطلب، وستهاجر رؤوس الأموال من القطاعات الإنتاجية للخدمية والمصرفية فتتراجع القطاعات الزراعية والصناعية وتنهار الورش والحرف المهنية تباعاً، وغيرها الكثير من النتائج الكارثية التي خبرناها في البلاد سابقاً وعلمنا عنها في دول أخرى كمصر التي تعاني فيها الطبقات الضعيفة ما تعانيه وهي اليوم عاجزة عن تسديد فوائد قروضها فما بالك بالقروض نفسها. وعليه فإن جرنا كطبقة عاملة وكادحة إلى ذاك المسار سيكون بمثابة ضربة قاسية لن تقوم لنا قائمة بعدها، وستتحول الفرصة التاريخية التي حصلنا عليها لمطحنة عظم تصيب ملايين السوريين العاملين والكادحين فنخسر ما لا طاقة لنا على احتماله أو تعويضه قط.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1223