كثرة الضغط تُولِّد الانفجار
خلال الأسبوع الفائت قام عمال ومدراء المصارف في السويداء بإضراب لمدة ساعة كاملة، تضامناً مع العمال المفصولين وغيرهم ممّن طالتهم قرارات حكومة تصريف الأعمال، الموغلة بالتجاوزات القانونية والإدارية. وحمل هذا الإضراب جانبين بالغَي الأهمية؛ الأول أنه جاء من موظَّفين لم تطلْهم القرارات، بل ما زالوا على رأس عملهم، وأرادوا بذلك التضامن مع زملائهم بكافة القطاعات، تأكيداً منهم على وحدة العمال ووحدة مصالحهم وأهدافهم. وثانياً، أن الدعوة لهذا الإضراب الساعيّ جاءت بطلب من اتحاد عمال السويداء، في خطوة مفاجئة وغير اعتيادية لم نشهدها منذ عقود طويلة. وهذا ما جعلنا نتوقّف عند هذه الظاهرة الحاملة لدلائل ومؤشّرات بالغة الأهمية والإيجابية، خاصةً في مرحلة من هذا النوع الذي تمرّ به البلاد على المستويات الوطنية والاقتصادية والسياسية والأمنية كافّة. فماذا لو أنّ العمال ونقاباتهم فعلوا الأمرَ ذاته؟ بل ماذا لو أنهم تمكّنوا من هكذا أمر؟
لا يخفى على أحد بأن الطبقة العاملة تعيش أسوأ أيامها ومراحلها من جميع النواحي، وإذا أردنا أنْ نركّز حالياً على عمّال القطاع العام، فهذا لا يعني إغفالنا لعمال القطاع الخاص، بل سنتناول موضوعهم لاحقاً وبشكل واسع. إذاً، لماذا نعتبر بأنها أسوأ الأيام والمراحل؟ بدايةً، ينقسم عمّال وموظَّفو القطاع العام بعد القرارات الحكومية المتهوّرة إلى غير متضرّرين ومتضرّرين، وأمّا غير المتضرّرين فهم أيضاً ينقسمون لقسمين، آمنين ومهدَّدين، والمهدّدين بدورهم ينقسمون لقسمين، بمعيار نوع التهديد؛ فقسم منهم مهدَّد بأنْ تطاله القرارات من حيث لا يعلمون، لغياب أيّ محدِّد أو معيار يمكن فينا التنبّؤ به (عم يلحمسو على راسهم) كون منهجية الفصل أو الإجازات القسرية ما زالت غائبة، فيستحيل على أحد توقعه بطريقة أو بأخرى، كما حصل مع القطاع الصحّي، وأمّا القسم الثاني من المهدَّدين فأغلبهم من عمّال الإنتاج والقطاعات الضعيفة والقطاعات الاستراتيجية، فعشرات معامل الدولة معروضة للاستثمار تحت عنوان الخصخصة للتخلّص منها بدل إحياءها؛ كمعامل النسيج والألبسة والزجاج وغيرها الكثير، وكذلك هناك القطاعات الضعيفة كالسكك الحديد والتبغ ومعامل الصناعات الخفيفة وغيرها. أما القطاعات الاستراتيجية والتي تتبع لوزارات كالنفط والمنافذ البرية والبحرية والمطارات، فيبدو من خلال القرارات الخاصة التي صدرت بحق موظفيها بأنّها ذات خصوصية غير مفهومة لحدّ الآن، كقرارات المناطق الحرّة والجمارك ومطار اللاذقية، حيث أحدثت في الكثير منها تفريغها من العمالة وتعيين بدائل لا تتمتع بالكفاءة، ومن خارج ملاكات الوزارات أصلاً، وبالتالي فغير المتضرِّرين من العمّال والموظفين والمدراء يعتبرون أنفسهم مهدَّدين وغير مستقرّين بوظائفهم، ويخشون ما وقع بآلاف مؤلَّفة من زملائهم المتضرّرين.
استمرار تقسيم المقسَّم
بالانتقال للمتضرّرين؛ فهؤلاء تم تقسيمهم بناءً على بنود قراراهم ومسوّغاته، فهناك الإجازة القسرية مدفوعة الأجر، وهناك موظّفو العقود الذين لم يجدّد عقدهم، وهناك المفصولون تحت عناوين متعددة؛ كالمعيَّنين بمسابقة المسرَّحين و(ذوي الشهداء) والمندوبين لصالح البعث والاتحاد النسائي، وغيره، إضافة للفصل لعدم الفاعلية؛ كفائضٍ لا فائدة منه، وهذا التعدد بأسباب الفصل ساهم بتقسيم المقسَّم أصلاً مما ساهم بزيادة شتات عاملي القطاع العام وبعثرتهم. فكلُّ تلك التجمعات العمالية الكبرى منها والمتوسطة تقلّصت وتجزّأت، وسواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد فإن هذا الواقع الجديد الناتج عن جملة القرارات لا يصبّ في مصلحة الطبقة العاملة، ولا تنظيمها النقابي، بل يضعفه، وهو التنظيم الذي بالكاد على قيد الحياة، ورغم تراجع دوره وفقدان قدرته، إلّا أنّه كان ما يزال إطاراً تنظيمياً شاملاً ينتمي له مئات ألوف العمال من أقصى البلاد لأدناها، يوحّدهم تنظيميّاً وطبقيّاً، وها هو يخسر هذه الميزة تدريجياً، والتي كنّا وما زلنا نراها مرتكزاً أساسياً باستعادة دوره ووزنه واستقلاله، كونه بقي معبّراً عن وحدة الطبقة العاملة والحركة النقابية.
عكس مسار الخصوم
من البديهي أنْ يسير التنظيم النقابي عكس ما تسير به القوى المضرّة به والمتناقضة معه، فإنْ حاولت الحكومة هذه أو الحكومات التي ستأتي لاحقاً أن تمضي بسياسات السوق الحرّ، فعلى النقابات الوقوف بوجهها والسير بالطريق المضاد، المطالِب بأعلى دور للدولة بالحياة الاقتصادية الاجتماعية، وأن تدفع بكل قواها لتنميته وجعله الأساس المتين للاقتصاد الوطني. وإنْ حاولت الحكومات الخصخصةَ وبيع أملاك الدولة ومعاملها ومؤسَّساتها فعلى التنظيم النقابي منع حدوث ذلك بكل الطرق المشروعة الدستورية والقانونية، دون مهادنة أو خوف. وهذا ينطبق على معركة الحد الأدنى من الأجور وتشميل المتقاعدين وكامل جوانب المصلحة الطبقية للعمال، وهذا ما يجب على منظمة العمّال القيام به بالنسبة لمسيرة الحكومة الحالية بتقليص اليد العاملة كماً ونوعاً وتفسيخ وحدتهم الطبقية والاجتماعية.
من وحدة الأضرار لوحدة العمّال
إنّ المهمّة الأساسية الآن أمام التنظيم النقابي بهيئاته التنظيمية كافة الوقوف في وجه القرارات المستمرة بحق عماله، لأنه لا يهدد مصالحهم كأفراد فقط، بل لأنّه تهديدٌ للمنظَّمة بكاملها، وخصوصاً وحدتها. وللحفاظ على هذه الوحدة، لا بد من ترك المكاتب والمراسلات والاجتماعات التي لا طائل منها، والنزول للتجمعات العمالية والمشاركة باحتجاجاتهم وضغطهم المستمر، ورفض تجزئة المطالب والأضرار، بل العمل على إلغاء هذه الأضرار بشكل كامل، وتشكيل لجان مختصة لدراسة وضع الموارد البشرية بالقطاع العام، وبمشاركة التنظيم النقابي بخبراته ومنظوره الوطني الطبقي الاجتماعي، والاقتداء باتحاد عمال السويداء الذي طلب من العمال غير المتضرّرين الوقوف إلى جانب زملائهم المتضرّرين كوحدةٍ متكاملة تضغط بالاتجاه الصحيح، وخيراً فَعَل اتّحادُ السويداء عندما أطلق طلقةً تحذيرية واضحة للحكومة، بأنه قادر على التصعيد لدرجات لا يمكنها معها الاستمرار في تطنيش مطالب المتضرّرين المطالبين بإلغاء القرارات، ومراجعتها بطريقة علمية ونزيهة لما فيه خير القطاع العام وبالتالي خير الوطن بأسره. وإن كانت الاحتجاجات العمالية التي خرجت ضد القرارات حاولت توحيد مطالبها، فإنَّ المحاولات اللاحقة ستجري على أساس توحيد العمّال أنفسهم بوجه سياسات حالية ضارّة بوظائفهم ولقمة عيشهم، وسياسات أخرى تلوح بالأفق ويروَّج لها تقضي على آخر ما تبقى لهم من أمنٍ اجتماعي وظيفي معيشي، وكثرة الضغط ستولِّد الانفجار لا محالة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1218