دور النقابات في دعم الحراك
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

دور النقابات في دعم الحراك

انتشر يوم السبت على وسائل التواصل الاجتماعي منشور خاص بالمذكرة التي أرسلها المكتب التنفيذي المؤقت لرئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 9 شباط. ورغم تأخر الإعلان عنها لأسباب لسنا بصددها الآن فإنها تركت انطباعاً كبيراً عند العمال والموظفين الذين طالتهم القرارات الحكومية، أو الحذرين المترقبين الذين ما زالوا خارجها حتى الآن. والملفت في المذكرة ليس محتواها فقط، بل تاريخ الإعلان عنها، إذْ إنّه ترافق مع تصاعد الاحتجاجات العمّالية التي لم تتوقّف، والتي لا يبدو أنّها ستتوقف، كون أسباب نشوئها ما زالت قائمة. وبدأنا نرى بأنها تتصاعد ببطء، لكن بتنظيمٍ أعلى، ربّما هو الأوّل من نوعه منذ عقود ولَّتْ. وبالعودة لتوقيت الإعلان عن مذكّرة الاتحاد، فإنّنا نراه ضربةَ مُعلِّم (إجا بوقتو)، لأنّه حمّل مؤشراً على تقاربٍ طالَ انتظاره بين مطالب العمال والمنظمة العمّالية، هذا أولاً، وأمّا ثانياً؛ فقد أعطى انطباعاً أوّلياً برغبة النقابات في الانخراط بالمواجهة القائمة بين العمال والقرارات الحكومية، دون نأيٍ بالنّفس أو لعبِ دور الكومبارس. وكل ما ترجوه الطبقة العاملة اليوم أنْ تكون لهذه الإشارات المتتالية والبوادر الإيجابية تتمّة جدّية وخطوات لاحقة تليق بحجم المنظمة الكمّي والنّوعي ودورها بانتزاع حقوق الطبقة العاملة.

مِن الطبيعي أنْ نلاحِق الإجراءات القادمة للنقابات، ونتابع مستجدّاتها خشيةَ أنْ تتوقّف عجلة العمل النقابيّ عند لعب دور الوسيط البيروقراطي، فتضيع المطالب بين الأوراق والمذكّرات والمراسلات، ونعود لمرحلة الاتحاد القديم، الذي كان في أحسن أحواله يبرّر للحكومة قراراتها وأفعالها المضرّة بالعمّال تحت شعار (نحن والحكومة شركاء) و(نحن نراسل ونقول... وبعثنا بمذكرة وطالبنا...) وغيرها من إبر البنج منتهية الصلاحية، والتي أدت لاستمرار خسارة الحقوق وتدهور الوضع العام للطبقة العاملة، وضياع مكتسباتها، حتى باتت النقابات مجرد صناديق رعاية وتكافل، وكأنها جمعية أهلية، أو مؤسسة حكومية منزوعة الدّسم. لأجل ذلك فإن حرص أيّ عامل على نقابته يبدأ من الرقابة على عملها وانتقادها ودفعها بالاتجاه الصحيح، والمشاركة في صنع القرار، وهذا ما نرى أنه ممكنٌ في ظلِّ المؤشّرات الأوّلية التي رأيناها خلال اليومين الماضيَين.

استمرار الاحتجاجات تقوّي النقابات

تستمر القرارات الحكومية بالصدور بشكل يومي، ما بين رسمي وشفهي، وتتزايد أعداد الموظَّفين والعمّال المتضرّرين منها بمختلف المحافظات، وتشمل جميع القطاعات. أضف عليها عشرات المعامل الإنتاجية المتوقفة والمعروضة للاستثمار الخاص. وهذا ينذر باستمرار الاحتجاجات وتوسّعها كمّاً ونوعاً، وبالتالي ازدياد حجم المهام أمام النقابات، والتي تحتاج لبنيةٍ متماسكة وخبيرة ومنظَّمة، وتحتاج للانغماس بالعمل على أرض الواقع، وفي كل التجمّعات العمّالية، والانخراط معهم في نضالهم المطلبي المحقّ، وتحويلها لاحقاً إلى نضالٍ نقابي رسمي ومكتبي، فكلاهما لا يغني عن الآخر، والتنظيم النقابي بهيكله التنظيمي وتمرسّه وخبرته يستطيع، في حال توفّرت الإرادة، المضيَّ بعمله المناط به. وعلى قاعدة قانون «الطبيعة تأبى الفراغ» فإنّ أيَّ تلكُّؤٍ أو تراخٍ يًضعف المصالحَ العامّة للطبقة العاملة، ويجعلُ مَلء الفراغ بقوى أخرى غير مضمون النتائج لتلبية متطلبات المرحلة.

للإجراءات القانونية دورها الهام

ضمن النقاش الذي دار بين رئيس اتحاد عمال اللاذقية والعمّال المحتجّين، يوم السبت 15 شباط أمام مبنى الاتحاد، وجَّه العاملين الذين لم يصدر بحقهم قرارٌ قانوني رسمي بأنْ يتوجّهوا إلى أعمالهم بشكلٍ جماعي ويثبتوا حضورهم، كما حصل مع عمال البلدية والمرفأ، وحتى لو رفض المعنيون هناك ذلك، وقال بأنّه يحدّثهم بالقانونـ ولو تغيّب العمّال لمدة 16 يوماً سوف يُفصَلون بالقانون. من هنا يجب علينا استخلاصُ أحد الجوانب التي من المفترض على التنظيم النقابي بكامل هيئاته وإمكانياته العملُ عليها؛ ألا وهو الجانب القانوني للقضايا المتعلّقة بالقرارات، وأن يكون على رأس المهام التي تواجه عمال القطاع العام، وأهمها تبويب التجاوزات القانونية للقرارات، سواء الخطية أو الشفهية، فالضوابط القانونية ما زالت قائمة، كالقانون رقم 50، وقانون التنظيم النقابي، وبالتالي يجب توجيه جميع العاملين الذين طالتهم القرارات بتوثيقِها ضمن مكانِ عملهم بكتابِ اعتراضٍ رسميّ، يسجَّل بالديوان، ويأخذ رقماً وتاريخاً، وكتاب شكوى آخر لنقابته المعنيّة تسجَّل أصولاً كي نثبّت الحقوق ونكون جاهزين للّجوء إلى القضاء المدنيّ حين يحين الوقت لذلك، وإنَّ هذه العملية مهمّة بأهمّية حراك العمّال واحتجاجاتهم، ومكمّلة لها، ولا بدّ للنّقابات من التصدي لهذه المهمّة كي لا تتبعثر الحقوق وتضيعَ المَظالم من جهة، ولدعم دور النقابات من جهة أخرى بطريقها لاسترجاع دورها.

أفضل النتائج وأسرعها

إنّ المرحلة التي وصل إليها حال الطبقة العاملة كارثيٌّ ومخيف، فالأمن الاجتماعي أصبح في أدنى مستوياته، وعلى رأسه الأمن الغذائي والصحي، وفقدَ عشرات الآلاف من عمال القطاع العام الأمن الوظيفي الذي كان صمّام الأمان الأساسي في حالات التدهور الاجتماعي والمعيشي. وهذا يجعلنا لا نتملك ترف تضييع الوقت، ويجعلنا نُصِرُّ على الإسراع بالضغط على حكومة تصريف الأعمال، من أجل التراجع عن قرارتها المتسرّعة وغير المدروسة والمجحفة، وهذا لن يتحقّق إلّا بالحراك المنظَّم الموحَّد بين الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي، والعمل ليلاً نهاراً وعلى مدار الساعة كي نصل لأفضل النتائج وبالوقت المناسب، فالأرواح متعبة والأمعاء خاوية وتسعى للنجاة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1214
آخر تعديل على الأحد, 16 شباط/فبراير 2025 22:44