عمّال اقتصاد الظلّ «يتامى الأبوين»

عمّال اقتصاد الظلّ «يتامى الأبوين»

إذا تأمّلنا محيطنا الاجتماعي بشكلٍ عام والعمّالي بشكل خاص، نستطيع إحصاء نسبة العمّال الذين يعتبرون خارج دائرة الضوء بالمعنى القانوني والنقابي، أي أنهم ليسوا ضمن بيانات العاملين بشكل رسمي، فلا عقود عمل تربطهم بأعمالهم ولا تأمينات اجتماعية تحميهم ولا نقابات تنظّمهم. وتشير الدراسات والأرقام التقديرية إلى أن 65% من الاقتصاد الوطني يُصنَّف ضمن اقتصاد الظلّ، وبالتالي فإنّ النسبة ذاتها على أقل تقدير تنطبق على الطبقة العاملة التي تعمل به، وتُسمَّى هذه الفئة الواسعة بعمال القطاع الخاص غير المنظَّم.

تعتبر الشريحة العاملة في الظلّ هي الشريحة الأوسع ضمن الطبقة العاملة، وتتوزّع هذه العمالة في غالبية القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية. ويمكن استثناء القطاع المصرفي الخاص وقطاع الاتصالات الخاص، بالإضافة إلى مجموعة من الشركات الكبرى التي تُصرّح عن العاملين لديها بشكل كامل، فتكتب لهم العقود وتسجّلهم في التأمينات الاجتماعية، لكنها تحجم في كثير من الأحيان عن إدراجهم ضمن النقابات، لما يترتب عليها من مخاطر افتراضية رسخت في وعي أصحاب الأعمال فأضرّوا أنفسهم وأضرّوا عمّالهم. ويوجد من يلزم نفسه بالتصريح النسبي، فيصرّح عن البعض ويبقي الآخرين في الظلّ، أمّا البقية المتبقيّة فإنها تلجأ لإخفاء حجم العمالة لديها وتقدم أوراقاً وأرقاماً مخالفة للواقع تهرّباً من الالتزامات القانونية والمالية والضريبية، فتخرج هذه الأعداد من الإحصاء الرسمي، وبالتالي يصبح من الصعب فهم واقع الطبقة العاملة وتحديد نسب البطالة أو العمالة الموسميّة وحجم عمّال القطّاع غير المنظَّم.

خارج مظلّة الأمان والتأمينات

تزداد هذه الظاهرة توسُّعاً كلّما تضاءل حجم الأعمال والشركات. ففي الشركات المتوسطة والصغيرة والأقل صغراً نادراً ما تجد من يخضع عمله للضوء، سواء مالياً أو ضريبياً، وبالتالي عمّالياً. فآلاف المؤسَّسات والشركات المسجَّلة والتي تمتلك سجلّاً تجارياً وإقرارات أو سجلّات صناعية وناشطة في الأسواق لن تجد على بياناتها الرسمية أكثر من عاملَين أو ثلاثة، إلا في حال السجل الصناعي فسيرتفع العدد إلى خمسة عمال، وعلى الأغلب هُم صاحب العمل وبعض أقاربه. فلا شيء يلزم أرباب العمل بتسجيل عمالهم أو الالتزام بعقود عمل وفق القانون رقم 17، بل تراهم يسجلون الحدّ المطلوب من العمّال والكافي لاستخراج سجلّاتهم ورخصهم. وإذا اضطرّوا للعقود، فستجد مع كلّ عقد طلبَ استقالةٍ على بياض يؤرَّخ حين يحتاجُ صاحب العمل إلى ذلك. وصدق من سماهم «عمّالاً يتامى الأبوين»؛ الحكومة والنقابات.

الحلول النقابية تسبق الحكومية

إنّ وجود ملايين العمّال في اقتصاد الظلّ يجعلهم عرضة لكل أنواع الاستغلال، ويحرمهم من أدنى حقوقهم، سواء من حيث الأطر الناظمة لصيغة التعاقد مروراً بالتأمين الصحي على أنفسهم وعائلاتهم وسنين شيخوختهم، ويعزلهم بشكل كامل عن النقابات، وبالتالي عن حقهم بالدفاع عن وضعهم الطبقي. ولسنا نأمل في ظل ما نلمسه من منهج اقتصادي حكومي أنْ تحلّ الحكومة موضوع اقتصاد الظل وتخفّض نسبته إلى الحدود الدنيا، ولسنا بوارد الاعتماد عليها والانتظار لتأمين الحماية لعمال القطاع غير المنظم. بل لا بدّ أنْ يأخذ التنظيمُ النقابي زمامَ المبادرة ويمارس دورَه المناط به، والعمل على وضع برنامج شامل لتنظيم هؤلاء العمّال ضمن نقاباته كمرحلة أولى تضمن له لاحقاً فرض تغييرات تشريعية وقانونية تصبّ في صالح الاقتصاد الوطني والطبقة العاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203