الأجور والأسعار كمرآةٍ للواقع الاقتصادي-الاجتماعي

الأجور والأسعار كمرآةٍ للواقع الاقتصادي-الاجتماعي

تكتسب الأجور والأسعار أهمية كبيرة في هذا الوقت، حيث أصبحت هذه المسألة من القضايا الأساسية التي يواجهها العاملون بأجر، فهي تعتبر الآن من أخطر القضايا الاقتصادية وإحدى المسائل الرئيسة والاستراتيجية التي تواجهها البلاد. وهي ليست مرحلة أو تدابير تتخذ في زمن معين، بل هي شرط من شروط حياة المجتمع وتقدمه واستمراره.

ولا نقول جديداً عندما نذكّر بأنّ العاملين بأجر ينظرون إلى السلطة التنفيذية من خلال الأسعار والرواتب والأجور، فالأسعار والأجور هي مرآة حقيقية، وتعكس بآن واحد الواقع الاقتصادي والاجتماعي بكامله. حيث بات أكثر من 90% من الناس تزحف على بطونها - وخاصة العاملين بأجر، وبالأخص منهم عمّال الدخل المحدود. ويجب أنْ تعترف النقابات أوّلاً بأنّ السياسات الاقتصادية التي تبنّتْها الحكوماتُ منذ ثمانينيّات القرن الماضي بكلّ أبعادها قد أخفقتْ في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين وخاصة لذوي الدخل المحدود.
ولسنا بحاجة اليوم إلى تأكيد أهمّية الأجور والأسعار، فهذه القضية باتت مشكلة يومية يعيشها الناس، ولا تعني رفاه العاملين بأجر فحسب، بل تعني الوجود بحد ذاته. حيث أصبحت نفقات تكاليف المعيشة ذات أعباء ثقيلة، هذا عدا عن أنواع الضرائب المباشرة وغير المباشرة. وكلما انخفضت القوة الشرائية الحقيقية، وارتفعت معدَّلات التضخم مع ثبات معدلات الأجور والرواتب، كلما ازدادت حياة الجماهير الفقيرة صعوبةً وشقاء. والسؤال اليوم الذي يطرح بكل جدية: ما هو مبلغ الدخل اللازم لتغطية الحاجات الأساسية والضرورية للفرد والأسرة في البلاد، حيث أصبح الدخل لا يغطّي الحاجات الضرورية. مع العلم أنّ أغلب الدراسات الاقتصادية تعتبر أنه لا يجوز أنْ تتجاوز هذه الاحتياجات الأساسية نسبة 50% من الدخل. فمن نافل القول في علم الاقتصاد أنّ المحرك الأساسي للمجتمع هو الأسعار وهي المحصلة النهائية للاقتصاد كلّه. لذا كانت الأسعار والرواتب والأجور أهمّ المشكلات الاقتصادية الملحّة في كل البلدان.
وكنا قد ذكرنا في عددٍ سابق كيف مرّت أجور العاملين بأجر، خلال فترات متعددة لمعرفة حالة التدهور الاقتصادي التي وصلت إليها البلاد من خلال هذه الأجور. لقد عملت سياسة تجميد الرواتب والأجور على تحفيز وتبرير جميع أشكال الفساد من تهرّب ضريبي وإداري وغيره، وذلك لتغطية هذه الممارسات اليومية على الأنواع الأخطر من الفساد الاقتصادي الذي يضرّ بالمصالح العامة.
ولا نجد غضاضةً في إعادة ما قلناه سابقاً، بأنْ يكون لدى النقابات قدرٌ من الحرية في استخدام أدواتها الكفاحية، وبالتالي ينبغي على النقابات وضع معيار للحد الأدنى للأجور والمطالبة به، بكل أشكال وأدوات الكفاح العمّالي المتاحة، وفَرْض غير المتاحة، أخذاً بعين الاعتبار احتياجات العمّال وأسرهم بما في ذلك حجم الأسرة، خاصةً عندما تكون هذه الاحتياجات للعمال مرتبطة بتكلفة المعيشة.
ولتحقيق العدالة الاجتماعية وتهيئة بيئة العمل المستدامة وتعزيز الإنتاجية، لا بدّ من تغيير استراتيجيات وأساليب التنظيم والعمل النقابي، في مواجهة السياسات الاقتصادية التي لا تلبّي إلّا مصالح قوى الفساد والنهب المشرعَن. ويجب ألّا تكون هناك مساومةٌ أو مهادنةٌ مع سياسات اقتصادية واجتماعية لا تَعتبر الأجورَ من أولويّاتها؛ ومنها تعزيز نظام التعاقد عن طريق المفاوضات الجماعية بين ممثّلي العمال وأصحاب العمل في الدولة والقطاع الخاص، وضمان دفع أجور العمّال بشكلٍ صحيح وفي الوقت المناسب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203