المتقاعدون وتعويضاتهم

المتقاعدون وتعويضاتهم

يعتبر قانون التأمينات الاجتماعية رقم /92/ وتعديلاته المرجعَ الأول والموحَّد، بخصوص التأمينات والتقاعد، لجميع العمال المؤمَّن عليهم سواء في القطاع الخاص أو قطاع الدولة أو القطاع المشترك.

إنّ العامل المؤمن عليه لدى مظلّة التأمينات الاجتماعية يُحال على معاش الشيخوخة بعد أنْ يكون قد أفنى جُلَّ سنين عمره في العمل، وآن له أن يتمتع باستراحة مفتوحة لقاء ما قدّمه من جهد وما تعرّض له من مخاطر مختلفة نتيجة عمله، والتي قد تؤدي به إلى عجز دائم. هنا تكمن المعاناة الأكبر التي يتعرَّض لها المتقاعدون، سواء على السن القانوني أو نتيجة إصابة العمل أو المرض المهني، التي تؤدي به إلى العجز الدائم. وكذلك أسرة العامل المتوفَّى وهو على رأس عمله. فبأحسن الأحوال لن يحصل العُمّال المؤمَّن عليهم إلّا على 80% من أجرهم كحدٍّ أقصى، وذلك حسب قانون التأمينات الاجتماعية رقم /92/ وتعديلاته. مع تقدُّم المؤمَّن عليه في العمر تزدادُ مشاكله الصحّية من أمراض مختلفة -المزمنة منها وأمراض طبيعة العمل التي يتعرض لها- وهي بحاجة إلى معالجة وأدوية؛ وهذه أسعارها في ارتفاع مستمر، مع غيرها من أشكال العلاج، ومنها العمليات الجراحية التي يحتاجها. وهذا يشكل أعباء مالية على العامل المحال على المعاش، تصل تكاليفها إلى أضعاف راتبه التقاعدي المصروف له من قبل هذه المؤسسة الاجتماعية. أمّا راتب العامل المتوفَّى فيُصرَف لأسرة العامل التي يعيلها وفق أنصبة وتعليمات حدَّدها القانون، وهي أيضاً لا تلبّي متطلّبات أدنى معيشةٍ لأسرة العامل المتوفى. ومما يزيد معاناة عمال قطاع الخاص المنضوين تحت مظلّة التأمينات أنّ معظمهم مسجَّلون برواتب الحد الأدنى للأجور، وهي غالباً ما تكون أقل بكثير من رواتبهم الحقيقية، إضافة إلى أنّ هذا الحد الأدنى بعيدٌ جدّاً عن الحد الأدنى للمعيشة اليوم، الذي يتجاوزه بعدة أضعاف. وكذلك الأمر بالنسبة لرواتب عمّال الدولة حيث يرزحون تحت هذه المعاناة من ضعف الأجور المتدنية. وللتذكير أيضاً فإن أغلب العمال في القطاع الخاص هم خارج مظلة التأمينات الاجتماعية، بسبب تهرُّب أصحاب العمل من تسجيلهم لدى المؤسسة، وبالأخصّ القطّاع غير المنظَّم، إضافةً إلى ضَعف دور التنظيم النقابي في القطاع الخاص عموماً. وبكلّ الأحوال فإنّ هذا الراتب التقاعدي بالنسبة للعامل هو انخفاضٌ في الدخل، وتدنٍّ في توفير الحاجات الحياتية له ولأفراد أسرته، وبالتالي لهذا انعكاسات سلبية اجتماعية وإنسانية عليه، مما جعَلَ هناك الكثير من الخلل في مفهومَ المسؤولية الاجتماعية من هذه المؤسسة نحو هؤلاء العمّال. ومن جهة أخرى يعاني العاملون بأجر الذين على رأس عملهم أيضاً -منذ أن تبنّت السلطة التنفيذية السياسات الاقتصادية المحابية للفساد والنهب الكبير- من الهجوم على مكتسباتهم وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، حيث يستمر قضم ما تبقى من هذه الحقوق وتأتي في مقدمتها الأجور التي تتعرض إلى الهجوم المستمر عليها.
وبالعودة لدور ومفهوم التأمينات الاجتماعية وغايتها الإنسانية والاجتماعية، لا بد لها من العمل على توفير الخدمات الضرورية اللازمة لهؤلاء المتقاعدين وأسرهم المُعالة منهم، وذلك بإيجاد تلك المراكز الصحية، أو على الأقل إنشاء مشفى، لتقديم هذه الخدمات المجّانية للمتقاعدين، حيث تستطيع المؤسسة أنْ توظف استثماراتها في هذا القطاع الهامّ، وعلى الدولة أنْ توفّر لها التسهيلات الضرورية كافة، إضافة إلى تقديم الدعم الكافي لتطوير هذه الخدمة الضرورية باعتبارها مسؤولية اجتماعية تقع على عاتقها نحو المجتمع، هذا عدا عن توفير ما تتطلّبه هذه الشريحة من دُوْر الرَّاحة المختلفة، والاستفادة من خبراتهم المختلفة. وهنا تقع مسؤولية كبرى على النقابات نحو هؤلاء الذين أفنوا جلَّ حياتهم في خدمة الإنتاج من أجل بناء اقتصادٍ وطنيّ، وذلك بالعمل على الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم المختلفة، التي لا بد من توفُّرها لهذه الفئة من المجتمع.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1197