تدني الأجور وأثره على الإنتاج
أصبح العزوف عن العمل خياراً للكثيرين نتيجةً لتدني الأجور والرواتب، وانسداد الأفق أمام إيجاد حل للمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد السوري، والتي يتم تحميل نتائجها لأصحاب الأجور فقط، مع العلم أنّ معظم الأزمات الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد هي نتيجةٌ أوصلتها إليها السياسات الاقتصادية للحكومات السورية المتعاقبة منذ عام 2005، وتبنّيها اقتصاد السوق الاجتماعي الذي مهّد الأرضية المناسبة لانفجار الأزمة عام 2011، والتي ما زالت تواجه عراقيل أمام حلّها، رغم مرور كل هذه السنين، وما زاد من تأثير الأزمة على الواقع الاقتصادي والمعاشي للسوريين إمعان قوى الفساد في استثمار الأزمة والعمل على ضمان استمرارها، وتعميق فسادهم وزيادة نهبهم للدولة والمجتمع دون وجود رادع لهم.
أصحاب الأجور هم الفئة الأكثر تضرراً التي تحمّلت نتائج انفجار الأزمة وعواملها الاقتصادية ويجري تحميلهم وزرها من خلال رفع الدعم وانعدام الخدمات الأساسية، وتجميد الأجور والمضاربة على الليرة السورية، وتحرير الأسعار ورفع أسعار حوامل الطاقة، على عكس ما يتّبعون من سياسات مع قوى النهب والفساد من خلال إقرار التشريعات الاقتصادية التي تتناسب ومصالحهم، مع استمرار انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية وفتح المجال للقطاع الخاص ليحل محلها.
هذه السياسات المحابية لقوى الفساد على حساب أصحاب الأجور دفعت العمال إلى العزوف عن العمل ومشقّته، وبات عثور المعامل على عامل مهني أمراً صعب المنال، وتحوّل العامل إلى البحث عن مصادر رزق أخرى أو البحث عن فرصة عمل في الخارج، وهو ما دفع بملايين السوريين إلى الهجرة نحوَ البلدان المجاورة، ورغم أجورهم البخسة هناك، إلّا أنها تبقى أفضل من أجورهم في الداخل، حيث يجري تيئيسهم حول إمكانية تحسين أوضاعهم، ولا يوجد قانون أو نقابات ذات فاعلية تدافع عنهم وتوصل صوتهم ومعاناتهم.
انعكس تدنّي الأجور على أصحاب الشهادات العليا أيضاً، حيث بات حلم أي طالب في الجامعة الانتهاء من تعليمه الجامعي والبحث عن فرصة للهجرة، وهو ما سبّب خسارة كبيرة قد لا تُعوَّض إلى عقود بسبب هجرة الأدمغة من مهندسين وأطباء وصيادلة، وباتت هذه الاختصاصات نادرة والبلاد تعاني من نقص حاد فيها.
قد تضرّرت عملية الإنتاج من تدنّي الأجور بسبب انخفاض مستوى الاستهلاك إلى أدنى مستوياته وتوقفت أغلب المنشآت عن العمل بسبب قلّة الطلب على منتجاتها وارتفاع تكلفة الإنتاج عليها.
بينما تصوّر الحكومة وتسوّق للمستثمرين في الداخل والخارج وتدعوهم إلى الدخول إلى السوق السورية، وتعتبر الأيدي العاملة الرخيصة عاملاً جاذباً للاستثمار، وامتيازاً استطاعت الحكومة تأمينه للمستثمرين.
لا حلَّ اقتصادياً لأزمات السوريين، بل الحلُّ مرتبط بالتطورات السياسية والحل السياسي الذي يفتح الباب أمام أصحاب الأجور للتعبير عن أوجاعهم، الذي يحمل التغيير الجذري والشامل لكامل بنية الدولة والمجتمع من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وهو ما تحاول قوى الفساد المرتبطة بالغرب وبمساعدته مَنْعَهُ بكل الوسائل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1197