الطبقة العاملة اليوم
مما لا شك فيه أن تاريخ الطبقة العاملة السورية غني بالبطولات الكفاحية التي حققت العديد من المكاسب. فالطبقة العاملة لا توصف بالكم رغم أن الكمّ مهمّ. وكلما اكتسبت الطبقة العاملة وعياً أعلى بحقيقة وضعها الطبقي يكون نضالها أكثر جدوى لتحقيق مصالحها؛ أيْ وعي العمال بوضعهم كبائعين لقوة العمل لنقيضهم وندهم الطبقي، وبعبارة أخرى بيعها لمالكي وسائل الإنتاج. ووعي العمال أنّ موازين القوى والدفاع عن المصالح والحقوق التشريعية والاقتصادية هي الآلية المتحكمة في العلاقة بين الطبقة العاملة والطبقة المالكة لوسائل الإنتاج. من الأسباب الرئيسية التي حالت دون تمكين الطبقة العاملة في البلاد من تحقيق مكتسبات استراتيجية مهمّة، هو عدم وعيها بأهمية تنظيم قواها وأنّ من مهامها الأساسية تنظيم نفسها ومواجهة العدو الطبقي.
اليوم تزداد الطبقة العاملة ضعفاً لأن النقابات التي تمثلها لا علاقة لها بالعمل النقابي الهادف إلى تحقيق الحقوق والمصالح الطبقية للعاملين بأجر. فهي نقابات صوريّة تطالب بقضايا صغيرة لا تغني ولا تسمن. منذ عدة عقود بدأ تفكيك الطبقة العاملة عبر أساليب ممنهجة فرضتها السياسات النيوليبرالية تحت شعار اقتصاد السوق الاجتماعي، والذي فتح الباب لتوزيع الثروة بشكل غير منصف لا تتوفر فيه شروط العدالة الاجتماعية. بل أدّت إلى تركيز الثروة في يد الأقلية المسيطرة على حساب الأغلبية الساحقة.
قامت الحكومات بوقف التعيين والعمل على خصخصة المؤسسات العامة بأشكال مختلفة حسب توصية من صندوق النقد والبنك الدوليين، دون الإعلان الرسمي عن ذلك. وهو ما أدّى إلى ارتفاعٍ في معدل البطالة أيضاً. كما ذهبت الى تفكيك شركات قطاع الدولة عبر تصنيفها بخاسرة وحدّية أو إدماجها في شركات أخرى. وطرح شعار التشاركية وإصدار التشريعات الخاصة بذلك. وإدراج آليات متعددة لسوق العمل لتفكيكه تحت مسمى مرونة العمل والتوظيف. وشهد سوق العمل أشكالاً عديدة من الاستخدام، منها العمل المؤقت والعمل الجزئي والعمل غير المصرح به لدى مؤسسات التأمينات الاجتماعية، وبالتالي زيادة الفوارق الاجتماعية والفقر والتفقير وكل أشكال الاستغلال.
هذه الهجمة على الطبقة العاملة أدت إلى تفكيك نسيجها في قطاع الدولة والقطاع الخاص، وبالتالي إلى ضعفها نقابياً. ومن جهة أخرى شكّل خطاب النقابات المتخلّف تشويشاً على وضع العمال ووعيهم الطبقي، وجعلَهُم يفقدون الأداة التنظيمية، وبوصلة الكفاح الطبقي لتجاوز هذا الواقع الذي توجد عليه هذه الطبقة من الكادحين. هذا الخطاب الذي ساهم في استغلال العمّال. واليوم ما هي المبرّرات والحجج التي تقدّمها النقابات للدورة النقابية القادمة وللتاريخ أيضاً، للتغطية على هذا التقصير في حق العمال؟ أليس من حق العمال أن يسألوا هذا السؤال للجميع، النقابات والقوى السياسية وخصوصاً القوى التي تضع نضال العمال والفلاحين ضمن أولوياتها. إنه واقع مرير يعيشه اليوم كلّ العاملين بأجر وستعيشه أجيال قادمة إنْ لم تقم بما تمليه المرحلة على هذه القوى والنقابات، كطاقات غيورة لتغيير الوضع المتأزم للعاملين بأجر الكادحين كافة. عمال البلاد عاشوا ويعيشون بين نيران الاستغلال الفظيع في مراحل عملهم؛ يُستغلّون في أماكن الإنتاج المختلفة، ومن قوى النهب والفساد، وبين ضعف ما يسمى النقابات التي تسعى جاهدة لإرضاء السلطة التنفيذية بغضّ النظر عن مصالح العمال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1188