التحكيم في علاقات العمل
تعتمد أغلب التشريعات العربية والإقليمية أسلوب الحل الودّي لخلافات العمل كممرٍّ إجباري قبل تَوجُّه طرفي النزاع في العلاقة العمالية إلى القضاء، ويمكن أن يعتمد هذا الأسلوب في حل منازعات العمل الفردية أو الجماعية على حد سواء.
ولا شكّ أن التحكيم كوسيلة لحل وتسوية المنازعات قد اكتسب أهمية كبيرة في العصر الحديث، ولا يخفى على أحد أن علاقات العمل قد شهدت تطوراً كبيراً نتيجة لتطور الحياة، فلماذا لا يأخذ التحكيم العمّالي دورَه مثل التحكيم التجاري والشرعي والذي أثبت جدارته وفعاليته.
ولماذا لا يتم إدراج شرط التحكيم الخاص في عقود العمل الفردية والجماعية على السواء ليقوم بتنفيذه محكّمون مختصّون ترتضي بهم الأطراف، ويتم خضوعهم لدورات تخصصية تتعلق بالتحكيم العمّالي محورها قانون العمل والتأمينات الاجتماعية والقوانين ذات الصلة، علماً أنّ التحكيم يعد ميزة للعامل والاتفاق على التحكيم لا يسلب العامل حقوقه ما دام التحكيم هو محكمة من نوع خاص واختيارية وفيها الكثير من الاختصار للوقت واحترام إرادة الطرفين المتنازعين بما يتفقون عليه لفضّ نزاعاتهم بأيسر السبل.
التحكيم كطريق مساعد للقضاء
وضمن جلسة التسوية الودّية في النزاعات العمالية تجري محاولة تقريب وجهات النظر بين العامل وصاحب العمل، ومحاولة الوصول إلى تسوية ترضي الطرفين بهدف تفادي الإجراءات القضائية الطويلة نسبياً والمعقَّدة والمكلفة، كما أنها تخفّف من تراكم الدعاوى أمام القضاء العمالي وتكون مساعدة ومساندة له بالوقت نفسه.
ويمكن أن تكون التسوية الودية لحل خلافات العمل من خلال إنشاء لجنة ثلاثية من ممثل عن كل من منظمات أصحاب العمل ووزارة العمل والاتحاد العام لنقابات العمال، ويكون هدفها محاولة حل النزاعات بطرق ودّية أو تقريب وجهات النظر بين الطرفين قدر الإمكان، ومن خلال ممارستها لعملها فإن تلك اللجنة تكون على تماس مباشر مع المشاكل التي تنتج عن علاقات العمل وبالتالي ستمتلك خبرة تمكّنها من طرح حلول تشريعية لأكثر القضايا العمالية انتشاراً على المشرع ليأخذ بها.
ويمكن من خلال التمثيل الثلاثي في اللّجنة المذكورة إعادة صلاحية القضاء الكاملة على المحكمة العمالية وإلغاء التشكيل الاستثنائي الحالي لها.
ومن خلال الأحكام التي تصدرها أو المناقشات التي تجري أثناء حل الخلافات يمكن من خلال تلك اللجان رفع توصيات غير ملزمة للقاضي أو تحديد من هو المتضرّر من العلاقة العمّالية ومن هو صاحب الحق، تماماً كما يتم العمل في القضاء الشرعي، حيث يعتبر حكم المحكمين الشرعيين بمثابة استبيان للقاضي حول مَن هو المسيء في النزاع رغم أنّ القاضي غير ملزم بتقرير الحكمين.
ويمكن إنشاء لجان حلّ التسوية الودّية لعلاقات العمل وربط مرجعيّتها إمّا بوزارة العمل أو الاتحاد العام لنقابات العمال أو يمكن إنشاء مراكز خاصة للتحكيم العمّالي تحت إشراف وزارة العمل والعدل.
قانون العمل النافذ حالياً
جاء في قانون العمل رقم 17 لعام 2010، المادة 208 منه:
«إذا كان النزاع يتعلق بتسريح عامل أو بإخطاره بالفصل منه فإنه يجوز للعامل أو النقابة المعنية بناء على طلب العامل أنْ يطلب من المديرية المختصة التوسط من أجل تسوية هذا النزاع خلال عشرة أيام من تاريخ تبلغه الفصل من العمل أو اخطاره بالفصل منه. وتقوم المديرية المختصة بالتوسط بين صاحب العمل والعامل في محاولة لحل النزاع الناشب بينهما خلال شهر كحد أقصى. وإذا لم تفلح الوساطة فإنه يحق للعامل صاحب العلاقة مراجعة القضاء».
ولكن توسط مديرية العمل في هذه المادة لوحدها ومن خلال عامل واحد في مديرية العمل غير كافٍ للإلمام بجوانب النزاع كافة والإحاطة به. وغالباً ما يرفض أرباب العمل الحضور أمام موظَّف مديرية العمل الذي لا يملك أيّ صلاحيات للضغط على الطرفين، ويكتفي بتقديم تقرير عن فشل الوساطة ويطلب من العامل مراجعة القضاء، وسلوك هذه الطريق ليس إجبارياً فيمكن للمدّعي سلوك طريق القضاء مباشرةً دون الطلب من مديرية العمل التوسط.
كما أن المادة 215 من قانون العمل رقم 17 نصّت على أنْ تشكّل في كلّ محافظة لجان تحكيم لحلّ منازعات العمل الجماعية ولكن هذه المادة بقيت كما أغلب مواد قانون العمل حبراً على ورق ولم ترَ النور، كما أنّ الاتحاد العام لنقابات العمال لم يقمْ بمهامه في متابعة تشكيل هذه اللجان وتفعيل دورها في حل منازعات العمل.
وإنّ تشكيل لجانٍ للتّسوية الودّية للمنازعات العمّالية يتطلّب أولاً وقبل كل شيء تعديلاً جوهرياً في قانون العمل النافذ حالياً، وإلغاء مادة التسريح التعسفي منه لأنّها تهدّد كل جهد قانوني، وتنسف عمل أي لجنة من خلال تسريح العامل في حال خسر ربّ العمل دعواه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1188