قوانين العمل السورية الممنوع والمسموح فيها
نعرض لبعض المواد التي جاءت في قانون العمل السابق رقم 91 لعام 1959، والذي تنص بعض مواده على تحريم حق الإضراب على العمال في حال المنازعات على حقوقهم مع أرباب العمل، وقانون العمل رقم 17 لا يبتعد في نصوصه عن القانون السابق من حيث حقوق العمال في الإضراب كحلٍّ نهائي في حصول العمال على حقوقهم، والذي تمت صياغته استناداً إلى قوانين العمل المصري والعراقي واللبناني... إلخ، من القوانين ومنها قانون العمل الفرنسي، وقد أفاد المشرِّع من هذه القوانين كما جاء في الأسباب الموجبة لصدور القانون رقم 17.
وبموجب الفصل الثاني من الباب الثاني والمواد 89–106 من قانون العمل، تم تنظيم عقد العمل المشترك الذي هو اتفاق تُنظَّم بمقتضاه شروطُ العمل بين نقابة أو أكثر من أصحاب الأعمال الذين يَستخدمون عمّالاً ينتمون إلى تلك النقابات أو المنظمات الممثلة لأصحاب الأعمال. ونظَّمت المواد 188–210 بالباب الخامس من قانون العمل إجراءات التوفيق والتحكيم في منازعات العمل. ويتم النظر في النزاع العمّالي على مرحلتين، المرحلة الأولى، عن طريق التوفيق، والمرحلة الثانية عن طريق التحكيم. وبموجب المادة 209 من قانون العمل يُحظَر على العمّال الإضراب أو الامتناع عن العمل كلّياً أو جزئياً إذا ما قُدِّمَ طلبٌ للتوفيق أو أثناء السير في إجراءات أمام الجهة الإدارية المختصّة أو لجنة التوفيق أو هيئة التحكيم.
وبموجب المادة 65 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة، يُحظَر على العمّال أنْ يشتركوا في تنظيم أيّة اجتماعات داخل مكان العمل تتعارض مع أحكام القوانين النافذة، أو أن يتركوا العمل أو أن يتوقفوا عنه أو يقوموا بتعطيله بقصد الإخلال بالنظام أو توقيف أو تعطيل الإنتاج. كما يُحظَر على العامل أنْ يحرِّضَ العاملين على ذلك.
وحدَّدت أحكامُ القانون 84 لعام 1968 وتعديلاته النافذة قبل 1990 حقوقَ النقابات وحقوق العمّال النقابيّين عموماً، وتكفل أحكام القانون النافذ هذه الحقوق. ولم تطرأ تعديلات على تلك الأحكام منذ العام المذكور. وتلجأ بعض الدول إلى تفادي لجوء العمال إلى الإضراب عن طريق الأخذ بسياسة عقود العمل المشتركة (الجماعية) وتنظيم هيئات وإجراءات التوفيق والتحكيم في المنازعات الجماعية التي تحدث بين العمّال وأصحاب عملهم.
تقوم المفاوضات الجماعية على عدة قواعد أساسية منها: أن يكون أحد طرفي التفاوض نقابة أو اتحاداً مهنياً أو يمكن أن يكون الاتحاد العام لنقابات العمال، وأن يكون الطرف الآخر صاحب عمل أو عدة أصحاب عمل أو ممثلين عن غرفة الصناعة. يجب أن يكون التفاوض الجماعي واضحاً وخالياً من الغلط أو الخداع. وأن تكون حقوق العامل الواردة في قوانين العمل النافذة، قانون التأمينات الاجتماعية أو قانون العمل غير منقوصة. ومن الضروري ذكره حق النقابة والعمال في إعلان الإضراب عن العمل أثناء التفاوض فهو من الحقوق الأساسية للعمال للدفاع عن مصالحهم.
ومن المعروف أيضاً أنّ العمال لا يضربون بلا سبب ولا يمكن أن نجد نزاعاً عمالياً بين العمال وأصحاب العمل دون سبب، ومن أهم أسباب إضراب العمال النزاع حول الأجر، أو الخلاف حول وقت العمل، أو من أجل تحسين شروط وظروف العمل، وكذلك عدم صرف المستحقات المالية المختلفة من التعويضات الإضافية وطبيعة العمل الشاقة للعمال من قبل صاحب العمل، وتعسف أصحاب العمل مع العمال خاصة في عدد ساعات العمل التي أقرتها القوانين الناظمة والتأخير بصرف الأجر، وشعور العمال بعدم الأمان نتيجة ازدياد حالات الفصل التعسفي دون مبررات مقنعة.
إنّ الغاية من المفاوضات الجماعية هي تنظيم علاقات العمل بين العمال وأصحاب العمل، لكي تتفق مع تقلبات الأوضاع المعيشية والاجتماعية السائدة، وهذا في النهاية يصبُّ في مصلحة طرفَي التفاوض، فما قد يرضى به العمال من حقوق اليوم يمكن ألّا يرضوا به مستقبلاً. وعندما تزداد قوة النقابات العمالية يزداد دورها في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات وفي تحسين شروط عمل العمال في معامل ومؤسسات قطاع الدولة والقطاع الخاص. وهذا يحدّ بشكل كبير من الاستغلال الناتج عن التفاوض الفردي بين العامل وصاحب العمل واختلال التوازن في الشروط التفاوضية بينهما. وخاصة بما يتعلق بالحق الأساسي للعامل وهو الأجر.
ويؤدي تدخّل النقابات العمالية في المفاوضات الجماعية إلى فرض تشريعات وقوانين وفق معايير دولية تحمي العامل وتحسّن شروط عمله. ومن مزايا المفاوضات الجماعية تنظيم علاقات العمل بين فريقي الإنتاج. إنها تحد من تدخل السلطات والأجهزة الحكومية عبر القضاء في علاقات العمل والخلافات الناتجة أثناء العمل. كما تُوحِّدُ شروطَ العمل بين العمال ويمنع أصحاب العمل من سلب حقوق العمال.
- وتساهم في تطوير التشريعات والقوانين وعلاقات العمل وتساهم في استقرارها، وتساهم في تسوية المنازعات بين العمال وأصحاب العمل. وتشمل المفاوضات الجماعية العمال كافةً سواء كانوا منتسبين للنقابات أو غير منتسبين. وقد صدرت عن منظمة العمل الدولية أكثر من اتفاقية وتوصية بخصوص المفاوضات الجماعية أكدت على أهميتها، وسورية عضو في منظمة العمل وتوافق على الكثير من الاتفاقيات التي تصدر عن منظمة العمل، ولكن قوانين العمل السورية لا تأخذ بعين الاعتبار التأكيد على ضرورة تطبيق تلك الاتفاقيات، وخاصة المفاوضات الجماعية وعقود العمل الجماعية التي تُخرِجُ العمال من تحت الشروط التي يحاول ربّ العمل فرضَها في حالة العقود الفردية، ويخضع العامل للقانون السائد في العلاقة بين رب العمل والعامل، وهو العقد شريعة المتعاقدين، وبهذا يخسر العامل قدرته على فرض ما يراه مناسباً في تحقيق أجر عادل وشروط عمل صحّية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1188