النقابات العمالية في الميزان
تنشر «قاسيون» الجزء الثالث والأخير من تقرير منظمة العمل الدولية حول مستقبل النقابات العمالية، حيث يركز القسم الأخير على واقع العمالة غير المنظمة وكيفية ضمان حقوقها بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي تواجه النقابات بعملية تنظيمها للعمال غير المنظمين في أماكن عمل واحدة تجمعهم.
العمل والنقابات في الاقتصاد غير النظامي
ظهرت فكرة الاقتصاد غير النظامي في السبعينيات كمفهوم لوصف العمل غير المنظم وغير المحمي في العالم النامي. وقد أدت الاتجاهات الحديثة لإضفاء الطابع العرضي على العمل وعلاقات العمل غير القياسية إلى التوسع في الاقتصاد غير النظامي فيما تجاوز العالم النامي. وتمتلك العديد من البلدان المتقدمة «اقتصاد ظل» توجد فيه عمالة غير مسجلة وغير محمية (درسها الفريق الدولي المعني بالتقدم الاجتماعي). وتعرّف منظمة العمل الدولية الاقتصاد غير النظامي على أنه «كلّ الأنشطة التي يقوم بها العمال والوحدات الاقتصادية التي لا تغطيها الترتيبات الرسمية على الإطلاق – بموجب القانون أو عند التطبيق – أو لا تغطيها بصورة كافية». وعوضاً عن التقسيم إلى عالَمين منفصلين، غالباً ما يكون العمل النظامي وغير النظامي مترابطَين، كما لو كانوا على منحدرٍ شديد الانحدار مع وجود بعض مسارات الصعود والعديد من احتمالات الانحدار ويعد ذلك أمراً مهماً إذا أردنا أن نفهم التنظيم الجماعي للعمال والانضمام إلى النقابات عبر التقسيم إلى قطاعين النظامي وغير النظامي.
يقسم التقرير العمالة غير المنظمة إلى ثلاث مجموعات هي:
1- العمال الذين يعملون من المنزل. 2- جامعو القمامة. 3- الباعة الجوّالون.
وذلك استناداً إلى نتائج دراسة شملت عشر مدن في أربع دول (الهند وغانا وبيرو وتايلاند).
يمثل العمال الذين يعملون من المنزل في هذه الدول أكبر مجموعة. وتتكون هذه المجموعة التي غالبيتها من النساء من العمال المتعاقدين، أو من يعملون لحسابهم في مجال التصنيع وتعبئة التبغ والملابس، والحرف اليدوية والإلكترونيات وقطع غيار السيارات والمستحضرات الطبية، وفي العمل المكتبي وفي توفير خدمات الغسيل وتصفيف الشعر والتجميل. وبالنسبة لهؤلاء العمال فإن منازلهم هي مكان العمل؛ وبذلك يعتبر المنزل والبنية التحتية المياه والكهرباء عناصر ضرورية كما هو الحال بالنسبة للنقل والحماية من ممارسات سلاسل القيمة الاستغلالية.
ويمثِّل الباعة الجوّالون ثاني أكبر مجموعة. وتتمثل مشكلتهم في إيجاد أماكن آمنة للبيع والتخزين والحماية من المضايقات والرشوة والتجريم.
أما ثالث أكبر مجموعة فهي مجموعة جامعي القمامة، والذين يتمثل عملهم في جمع وتصنيف القمامة، واستخراج المواد التي يمكن إعادة استخدامها، والتي يمكن إعادة تدويرها. وهم يتعرضون إلى مخاطر صحية كبيرة، ويزيد من سوء الوضع عدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية.
هناك مشكلة مشتركة بالنسبة لهذه المجموعات الثلاث؛ وهي أنها تميل إلى أن تقع تحت سطوة ذراع القانون العقابية لكنها خارج بسطة ذراع حماية القانون. وينطبق ذلك بصفة خاصة على العمال المهاجرين غير المسجلين بينهم. وتتمثل المشكلة المشتركة بين المجموعات الثلاث في الاعتراف بحقّهم في الهوية والكرامة كعمال، والحق في تكوين الجمعيات وحق التمثيل في عمليات وضع السياسات ذات الصلة. وقد تم الاعتراف بذلك.
وبالرغم من أن جميع الوظائف في الاقتصاد غير النظامي ليست بوظائف غير آمنة وبأجور منخفضة، فإنّ الميزة المشتركة هي أنها لا توفر حماية اجتماعية مضمونة بالقانون أو مزايا العمل أو تعويضات عن فقد الوظيفة؛ ويفتقد العديد من العمال الذين يعملون في هذه الوظائف إلى حرية تكوين الجمعيات وإلى حقوق التفاوض الجماعي. وفي حين نجد أنّ هناك درجة من درجات الاقتصاد غير النظامي داخل البلدان الصناعية، فإنّ الاقتصاد السائد في العديد من البلدان منخفضة الدخل، وأغلبها بلدان زراعية، (هو الاقتصاد غير النظامي).
توجد علاقات العمل القياسية والرسمية لكنها مقصورة على القطاع العام الذي اعتاد على أن يتضمن الخدمات الأساسية وأجزاء من قطاع التصنيع. ويؤدي انكماش القطاع النظامي العام إلى ضرورة سعي النقابات إلى الحصول على قاعدة عضوية أكبر.
لقد تجاهلت النقابات العمالية أو قلّلت من شأن القطاع غير النظامي لفترة طويلة، معتبره إيّاه ظاهرة عابرة من الصعب تنظيمها. وفي بداية الأمر، كانت استجابة النقابات لتصاعد القطاع غير النظامي تتسم بالرفض؛ كما أظهرت العديد من النقابات العمالية الأوروبية عندما واجهت صعود الوكالات المؤقتة والعقود المؤقتة والعمل بدوام جزئي. ولكي تظل النقابات العمالية ذات أهمية، سينبغي عليها أن تتواصل مع العمالة غير النظامية. وأوضحت الدراسات الاستقصائية التي أجريت في غانا ونيجيريا وناميبيا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي وزامبيا مدى الحاجة الملحّة إلى قيام النقابات العمّالية بتنظيم العمالة غير النظامية.
وفي السنوات الأخيرة، بذلت النقابات جهوداً وهناك نماذج مشجّعة للنقابات.
أولاً- وضع النقابات ومستقبل العمل ليس في إفريقيا فحسب، فقد وصلت إلى أساليب تمكنها من التنظيم أو المساعدة على تنظيم العمال في القطاعات غير النظامية وخاصة في مجال النقل والسياحة والأمن وفي مجال التنمية، ولن يكون تنظيم العمالة غير النظامية بالمسألة السهلة.
ففي ظل عدم توافر مكان عمل قياسي يمكن أن تتجمّع حوله عملية التنظيم، يوجد العديد من العمال غير النظاميين في أماكن عمل متفرّقة أو منفردة أو في منازلهم أو في حالة تنقُّل دائم. الباعة الجوّالون وجامعو القمامة وسائقو الدراجات وسائقو سيارات الأجرة، وفي ظل غياب علاقة عمل أو حيثما لا توجد علاقة بصورة مُقنعة، فإنّ معظم العاملين خارج الإطار القانوني للعمل وحقوق النقابات تكون حقوقهم مغيَّبة. علاوة على ذلك، غالباً لا يوجد صاحب عمل يمكن التعامل معه لأغراض التفاوض الجماعي.
أينما تواجدت علاقة عمل، بالنسبة للعمالة اليومية على سبيل المثال في مجال الزراعة أو الإنشاءات أو عمّال الملابس الجاهزة من المنزل، فإنّ أماكن العمل دائماً ما تكون متفرّقة وصغيرة «ومختفية» في منازل منفردة، بحيث يفتقر العاملون إلى القوة التي تمكنهم من مواجهة أصحاب العمل، والذين يعملون في الغالب من خلال «وسطاء» يتّسمون بالقسوة.
وليس من السهل التضامن مع العمّال الذين يعملون لحسابهم الخاص، الذين يتنافسون بعضهم مع بعض للفوز بالعقود والعملاء. ويمكنهم التجمع لأسباب معينة، مثلما يفعلون عندما يريدون تحدّي السلطات أثناء الأزمات. لكن غالباً ما تكون وحدة الغرض والعمل الجماعي قصيرة الأمد وهشّة. ويتطلب هذا بناء منظمة دائمة وتوفير مساعدة وقيادة ودعم من النقابات العمّالية القائمة ومن الرعاة.
يمثّل العمّال المهاجرون إحدى المجموعات الكبرى أيضاً للعمالة غير النظامية. وغالباً ما يكونون غير مسجَّلين، ويريدون العمل «دون أن يلتقطهم الرادار»، لذلك فهم يعانون بصفة خاصة من انعدام الأمن، وهم عرضة للاستغلال والمضايقات ولا تناسبهم دائماً الثقافة التقليدية للنقابات.
وأخيراً، تمثل المحاولات الفاشلة لجمع المستحقّات من الأشخاص الذين لا يمتلكون إلّا القليل الذي يمكنهم ادّخاره إحدى المشكلات المتكرّرة في عملية تنظيم العمالة في الاقتصاد غير النظامي. وهناك حدود لاستراتيجيّة الدعم المتبادل داخل الحركة النقابية الكبرى بالرغم من أنّ هناك أمثلة ملحوظة لنقابات المعلمين، التي تعتبر الأفضل حظاً، والتي تشارك في إنشاء نقابات في القطاع غير النظامي في غانا وسيراليون.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187