حقوق العمال في القانون الدولي
تجتمع منظمة العمل الدولية في الرابع من هذا الشهر وهو اجتماع دوري يضم أطراف الإنتاج الثلاثة ممثلي العمال وأرباب العمل في القطاع الخاص وممثلي الحكومات. يناقش هذا الاجتماع كل القضايا التي تهم العاملين بأجر كما تسميها منظمة العمل الدولية وتصدر عنه قرارات ودراسات ولكن تنفيذ هذه القرارات يكون خاضعاً لمواقف الدول من حقوق العمال وكذلك قوة الحركة النقابية في هذه البلاد أو تلك على انتزاع الحقوق العمالية من نهّابي قوة عملها.
نعرض في هذا التقرير حقوق العمال كما يراها القانون الدولي...
القانون الدولي كحقل خاص من القانون يرمز إلى مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي وعلى رأسها الدول والمنظمات الدولية وهدفه الرئيسي هو فض النزاعات بين الدول بالطرق السلمية.
ولم يعترف القانون الدولي إلى حد الآن بالأفراد كأشخاص للقانون الدولي بصورة كاملة، بل يتعامل معهم من خلال دولهم إلا على بعض المستويات الإقليمية كحماية حقوق الإنسان في إطار المجلس الأوروبي.
حقوق العمال تقع أيضاً في إطار حقوق الإنسان التي لا تتم حمايتها بصورة فعالة في القانون الدولي.
ومصطلح العمال نفسه يختلف في القانون الدولي عما عليه عند التعريفات الاقتصادية والسياسية، إذ إنه من الناحية الاقتصادية يعتبر العمل أحد عوامل الإنتاج الثلاثة أي الأرض ورأس المال والعمل (رأس المال البشري).
ومن الناحية السياسية أي الأيديولوجية، خاصة الماركسية يشار إلى العمال كالطبقة المنتجة المهمش دورها والتي تضطر إلى تأجير جهدها في المجتمع الرأسمالي.
القانون الدولي لا يميز هنا بين أي فئة معينة من العاملين مقابل الأجر ولهذا يستخدم القانون الدولي مصطلح العاملين بدل العمال.
الأهداف الرئيسية للقانون الدولي في مجال حماية حقوق العمال:
1 - تنظيم المنافسة، من المعلوم بأن الدول والشركات هي في منافسة اقتصادية مستمرة فيما بينها والمنافسة هذه تكون بصورة رئيسية في مجال أسعار السلع المنتجة حيث تدنّي أسعار السلع يعتبر امتيازاً تسويقياً للمنتج. وهناك مخاوف بأن تجرى هذه المنافسة في مجال الأسعار على حساب العمال كعامل إنتاج متغير قبل الأرض ورأس المال أي استغلال جهد العمال من خلال دفع أجور غير عادلة لهم من أجل خفض أسعار السلع في السوق لصالح تقوية المنافسة. ولهذا فإن القانون الدولي يسعى إلى حماية العمال من أجل الحصول على أجور عادلة مقابل عملهم.
2 - دعم السلم الدولي، من المعلوم بأن اللا عدالة في المجال الاجتماعي في دولة ما تشكل أيضاً خطراً على المجتمع الدولي ككل لأنها يمكن أن تؤدي إلى ثورات وحروب داخلية، ولهذا فإن القانون الدولي يحاول بجهد نشر العدالة في العالم خدمة للسلم الدولي.
3 - نشر العدالة الاجتماعية، من البديهي بأن النمو الاقتصادي في دولة ما لا يعني بالضرورة التقدم الاجتماعي. وفي بعض الحالات تمنح الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب التقدم والرفاه الاجتماعي، وغالباً ما يكون العمال من بين أوائل الضحايا، ولهذا فإن القانون الدولي يسعى إلى إيجاد توازن بين النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.
4 - تطوير قوانين العمل الوطنية، إن القانون الدولي من خلال وضعه المعايير في مجال حماية حقوق العمال يضع سقفاً قانونياً للقوانين الوطنية المختصة بحقوق العمال لا يجوز تجاوزه كحظر عمل الأطفال وتحسين ظروف العمل والمساواة في الأجور مثلاً.
5 - دعم حركات الإصلاح، القانون الدولي من خلال إصداره لتوصيات وعقد معاهدات دولية يشكل مصدر إلهام للمطالبين بحقوق العمال وتحسين ظروفهم من قبل منظمات المجتمع المدني وحتى الحكومات وتمنح هذه المطالب شرعية دولية.
القانون الدولي كأي حقل آخر من القانون يحتاج إلى آلية معينة لغرض تأدية واجباته في تطبيق وتنفيذ قواعده كما هو الحال في القوانين الوطنية حيث هناك المحاكم التي تطبق القانون والأجهزة التنفيذية التي تنفذ قرارات المحاكم. ولو أن الأمر يختلف نوعاً ما في القانون الدولي إلّا أنه يفتقر على المستوى الدولي إلى آلية تنفيذية مركزية وأن الدول تعتمد إلى حد كبير على حق الثأر أي الرد بالمثل.
وآلية القانون الدولي لحماية حقوق العمال على المستوى الدولي هي منظمة العمل الدولية.
مئات التوصيات والمعاهدات لمنظمة العمل الدولية
غزارة اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحقوق العمال لها مدلولات، المدلول الأول، سلبي لأن القانون بصورة عامة يسعى إلى فض النزاعات في المجتمع بصورة سلمية وإصدار قانون ما يعني بأن هناك نزاعاً مسبقاً وغزارة الاتفاقيات المتعلقة بحقوق العمال تدل على أن هناك خروقات كثيرة لحقوق العمال وإلا لما كانت هناك حاجة لتنظيمها قانونياً. والمدلول الثاني، إيجابي لأنه يثبت بأن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي تجاه خروقات حقوق العمال.
حماية دولية غير فعالة
اهتمام القانون الدولي بحقوق العمال لا يعني بالضرورة بأن هذه الحماية فعالة أيضاً. ولو أن مشكلة فعالية القانون الدولي هي مشكلة عامة وليست متعلقة فقط بمجال حماية حقوق العمال، ولكن المشكلة هذه تظهر بصورة خاصة في هذا المجال لكون العمال فعلاً هم طبقة مهمشة يصعب عليها الدفاع عن حقوقها. وسبب العجز هنا يعود إلى ضعف الآليات المستخدمة لحماية حقوق العمال، أي إن الاتفاقيات الدولية والتوصيات تفتقر إلى آلية تنفيذية فعالة كمحكمة خاصة بها مثلاً، تصدر قرارات ملزمة للدول الأعضاء يستطيع العمال اللجوء إليها في حالة خرق حقوقهم. لذلك فإن الاتفاقيات والتوصيات الموجودة في إطار منظمة العمل الدولية يمكن اعتبارها من ضمن ما يعرف بالقانون الناعم، أي القانون غير الملزم مادياً بل أخلاقياً لضعف آلية مراقبة تنفيذه.
فمثلاً لو أخذنا عينة من هذه المعاهدات كاتفاقية تحديد مستويات الحد الأدنى للأجور لسنة 1970 المادة 12، واتفاقية حماية حقوق المهاجرين لسنة 1975 المادة 22، واتفاقية حماية حقوق الضمان الاجتماعي لسنة 1982 المادة 26، واتفاقية حظر عمل الأطفال لسنة 1999 المادة 14، نرى بأن آلية كل هذه الاتفاقيات ضعيفة جداً إذ تنص كل هذه المواد التي تم ذكرها أعلاه على أن مجلس إدارة منظمة العمل الدولية يقدم تقريراً إلى المؤتمر السنوي العام حول تطبيق الاتفاقية المعنية من قبل الدول الأعضاء وهي آلية ضعيفة جداً لا تتعدى توبيخ الدولة العضو في الاتفاقية في حالة خرقها لاتفاقية من هذا النوع. فمثلاً بالرغم من اتفاقية حظر عمل الأطفال فإن هناك عشرات الملايين من الأطفال يعملون في دول العالم الثالث وتحت ظروف قاسية جداً ومنظمة العمل الدولية لا تستطيع عمل شيء يذكر لمحاربة هذه الظاهرة.
ومع هذا فإن منظمة العمل الدولية تنجز عملاً عظيماً في مجال رفع الوعي لصالح حماية حقوق العمال لدى كافة الأطراف ووضع الخطوط العريضة لحماية هذه الحقوق، يجب على الدول أن تهتدي بها عند صياغة قوانين العمل الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1177