مشاريع وهمية

مشاريع وهمية

هل سينجح الإصلاح الإداري الذي تدّعي الحكومة أنها تنتهجه في إصلاح المؤسسات الحكومية، خاصةً ما يصدر كل فترة من مراسيم وقرارات لدمج المؤسسات والشركات العامة بعضها ببعض بحجّة الإصلاح الإداري أو من خلال تغيير الشكل القانوني لملكية الشركات وتحويلها لشركات مساهمة وطرح أسهمها للاكتتاب العام أو تغيير نظام الحوافز للعمال.

المشروع الوطني للإصلاح الإداري هو برنامج أطلقته الحكومة في اجتماعها في 20 حزيران 2017 خلال جلسة عقدت برئاسة رئيس الجمهورية في مقر مجلس الوزراء، ليكوناللبنة الأساسية في عملية النهوض الشامل في الأداء الإداري والعمل المؤسساتي للوزارات والهيئات والمؤسسات العامة في المرحلة القادمة ومكافحة الخلل الإداري بكل جوانبه.
 ويعتمد المشروع الذي أعدته وزارة التنمية الإداريةعلى محاور عدة أولها خلق منهجية واحدة ومتجانسة لكل الوزارات عبر مركز يسمى مركز القياس والدعم الإداري، يقوم بوضع الهيكليات والتوصيف الوظيفي وإيجاد آليات لقياس الأداء والأنظمة الداخلية للمؤسسات وقياس الإجراءات بين المواطن والمؤسسات أو داخل المؤسسات أو فيما بينها وقياس رضا المواطن والموظف ومكافحة الفساد.
ويشمل البرنامج التنفيذي للمشروع أربع مراحل، تبدأ بمرحلة التأسيس التي تتضمن تأمين متطلبات البنية التشريعية والفنية واللوجستية من خلال مناقشة وإقرار مشروع قياس الأداء الإداري للجهات العامة في مجلس الوزراء، ووضع الإطار القانوني الناظم للمشروع إضافة إلى القرارات التنظيمية، والتعاميم الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء، والقرارات التنظيمية الصادرة عن وزير التنمية الإدارية والوزير المختص.

لا نتائج حتى الآن

ولكن منذ ذلك الوقت وحتى الآن ورغم مرور سبع سنوات على إقرار مشروع الإصلاح الإداري لَمْ تزدَدِ المؤسسات والشركات الحكومية سوى مزيدٍ من الترهل وضعف الأداء، لعدة أسباب أهمها: تسرب العاملين وعزوف الشباب عن التقدم للمسابقات الحكومية بسبب تدني مستوى الرواتب والأجور، إضافة لما يترتب على ذلك من انتشار واسع للفساد الكبير والصغير في المؤسسات الحكومية الإدارية وتراجع الإنتاج وتوقفه في العديد من المنشآت الاقتصادية بسبب الصعوبات المالية التي تعاني منها تلك المنشآت نتيجة لعدم رغبة الحكومة في ضخ الأموال اللازمة لإعادة الإنتاج، بل يجري سحب البساط من تحت هذه المنشآت وإحلال القطاع الخاص بدلاً منها، كما يجري هضم مزيد من حقوق العمال والموظفين قانونياً وتنظيمياً.
كما أن قانون الإصلاح الإداري لم يلحظ مستويات الفساد المنتشرة داخل جهاز الدولة والذي تسيّره قوى الفساد حسب رغبتها، حيث بات جهاز الدولة مخصصاً لخدمة مصالحها وليس لخدمة المجتمع.

نظام الحوافز المؤجَّل

ومن سياسة الإصلاح الإداري الذي تسير به الحكومة حسب زعمها صدر المرسوم رقم /252/ المتضمن النظام النموذجي للتحفيز الوظيفي للعاملين في الجهات العامة، والذي يهدف إلى وضع معايير وضوابط لمنح الحوافز والعلاوات والمكافآت حسب نوع النشاط في الجهات العامة بما يحقق رفع مستوى إنتاجيتها، وربط زيادة الدخل برفع معدلات الأداء، والعدالة من خلال توحيد نسب الحوافز الممنوحة لمجموعات النشاطات المتماثلة في الجهات العامة، والحفاظ على الموارد البشرية النوعية والمهارات واستقطاب وتوطين الموارد البشرية الكفؤة.
وجاء هذا المرسوم بناء على المرسوم التشريعي رقم /18/ القاضي بإصدار نظام نموذجي للتحفيز الوظيفي وتحديد أسس وقواعد وحدود منح وحجب الحوافز والعلاوات والمكافآت وإجراءات إصدار الأنظمة الخاصة بها.
وقد أقرت اللجنة المركزية للحوافز والعلاوات والمكافآت في عام 2023 أنظمة الحوافز لعدد من الجهات العامة، وكان رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس وجَّه خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء بتاريخ الـ 28 من شباط عام 2023 الوزارات للإسراع بإنجاز أنظمة الحوافز بهدف تحسين الواقع المعيشي للعاملين.
وبعد أخذ ورد ودراسة أغلب الجهات الحكومية لمشروع أنظمة الحوافز والمكافآت لعمالها ودون الغوص بتفاصيلها صدر قرار من وزارة التنمية الإدارية بوقف العمل به حتى إشعار لاحق دون بيان الأسباب التي دعت إلى ذلك وإعادة العمل بالنظام السابق، ناهيك عن التصريحات المتعددة لوزارة التنمية الإدارية التي تتحدث عن ضرورة ربط الأجور بالإنتاج وبما يتعارض مع الدستور السوري الذي نص على ربط الأجور بالأسعار وتحديد الحد الأدنى للأجور بما يضمن حياة لائقة للعامل وأسرته.

لا حلَّ إداريّاً للترهل الحكومي

نجد أن جميع المشاريع التي تقررها الحكومة تبقى مجرد كلام على ورق دون تطبيق واقعي أو دون نتائج، وبالتالي هي مجرد هدرٍ لمزيد من الوقت والجهد الحكومي الذي من المفترض أن يتجه لتحسين الواقع المعيشي للعامل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها البلاد أو على الأقل التخفيف من آثارها.
فهذه الحكومة لم تعد قادرة على إصلاح أو حل أي أزمة أو إصلاح أي شيء، وهي بعيدة كل البعد عن المطالب العمالية والاقتصادية، وعن تطوير القطاع العام وتخليصه من أمراضه المزمنة التي صنعتها قوى الفساد وجعلت منه بقرة حلوباً. والآن بعد أن جفت عروقه وأصبح لا يفي بمتطلبات النهب الواسع كما كان يجري سابقاً، فإن كل ما يطرح تحت عنوان «إصلاح» لا يمكن أن يغير من الواقع شيئاً لأن المسببات التي أوصلت القطاع العام بكل مكوناته الخدمية والإنتاجية مستمرة، وللخلاص منها وتأمين الظروف الصحية لعملية تطويره يحتاج إلى حل سياسي للأزمة السورية يعيد توحيد البلاد بأسرها وإقرار دستور جديد يفصل بين السلطات الثلاث ويحدد العلاقة بين المركز والأطراف وإدارة الموارد وإعادة توزيع الثروة بشكل عادل لمصلحة غالبية السوريين، والأهم من ذلك منح أوسع الحريات السياسية والنقابية في المجتمع وإخضاع جهاز الدولة للرقابة الشعبية المباشرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 12:57