مصيبة العاملين بأجر

مصيبة العاملين بأجر

يقول الأديب ممدوح عدوان في إحدى مدوناته، ذات يوم شرحوا لنا في المدرسة شيئاً عن التعوّد، حين نشم رائحة تُضايقنا فإن جملتنا العصبية كلها تنتبه وتعبّر عن ضيقها، بعد حين من البقاء مع الرائحة يخف الضيق أتعرف معنى هذا؟ معناه أن هناك شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت فلم تعد تتحسس، ومن ثم لم تعد تنبّه الجملة العصبية، والأمر ذاته في السمع، حين تمر في سوق النحاسين فإن الضجة تثير أعصابك، لو أقمت هناك لتعودت مثلما يتعود المقيمون والنحاسون أنفسهم للسبب نفسه، الشعيرات الحساسة في الأذن قد ماتت.

نحن لا نتعود إلا إذا مات فينا شيء.. مازالت الضغوط الاجتماعيّة والاقتصاديّة مستمرّة على العاملين بأجر. يُعدّ غياب حراك النقابات نقطة ضعف كبرى أمام حماية مصالح العمال وظروف معيشتهم، ويزيد قدرة قوى الفساد والنهب على تقييد قدرة العمال على تنظيم أنفسهم والتحرك الجماعي، وتخلق العوائق أمام قدرة العمال لمعالجة تدهور ظروف معيشتهم وأمام نقاباتهم على مواجهة تلك السياسات التي أوصلت العباد إلى ما وصلت إليه ولم يبقَ خيار أمام الكثيرين سوى الهجرة، إذا كان ذلك مُتاحاً لهم.
فمنذ أن تبنت السلطة التنفيذية تلك السياسات الاقتصادية التي لا تتواءم مع مصالح العاملين بأجر لم يكن للنقابات ذلك الدور المؤثر، الذي يدافع عن مصالح العمال، فلم تفعل هذه المؤسّسة شيئاً ذا وزن للدفاع عن مصالح العمال والعاملين بأجر عموماً، ولا عند تدهور ظروف عملهم ومعيشتهم. بل على العكس، سعت إلى الدفاع عنها، أي عن تلك السياسات. ونتساءل اليوم، هل ماتت الشعيرات المحركة للجملة العصبية التي تحدث عنها الأديب ممدوح عدوان لأساليب النضال لدى النقابات وهنا يكمن التحدّي الجدي، على الرغم من صعوبة الظروف المحيطة ومنها الإفقار الحاد.
لقد أصبحت إعادة النظر بمجمل طرق وأساليب العمل النقابي أمراً ضرورياً في النضالات المستقبليّة لتحسين ظروف المعيشة والعمل للطبقة العاملة في سورية.
فقد شهدت الطبقة العاملة في القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية تراجعاً في أعدادها نتيجة انفجار الأزمة الوطنية بسبب الهجرة والتهجير، إضافة إلى إغلاق العديد من المنشآت لدى القطاع الخاص وكذلك أيضاً لدى قطاع الدولة، وتحولت أعداد لا بأس بها من العمال إلى عمالة خدمية غير منتجة، وبذلك يسهل على تلك القوى ضرب الحركة العمالية والنقابية ومنع تشكيل طبقة عاملة قادرة ذاتياً على قيادة نضالها في سبيل تحصيل حقوقها ومطالبها المشروعة والمحقة. وكانت قد أشارت العديد من التقارير قبل انفجار الأزمة إلى أن سوق العمل كان يدخل إليه سنوياً ما يقارب 200 ألف خريج في مختلف الاختصاصات الجامعية والمتوسطة وغيرها، بينما سوق العمل لم يستطع استيعاب سوى ما يقارب عن 60 ألفاً، أما البقية فجزء منهم اشتغلوا في أعمال هامشية، وجزء آخر في الأعمال السوداء أو عاطلون عن العمل. هذا غير العمالة الزراعية التي انخفض فيها أعداد العاملين في الأرض وخاصة بعد صدور القانون 56 الصادر عام 2004 وخاصة المادة 106 التي أعطت لأصحاب الأراضي الحق في فسخ عقود إيجار الأراضي خلال ثلاث سنوات ما حرم آلاف العمّال الزراعيين من العمل في حقول عملوا فيها لأجيال، وكذلك المادة 9 التي قالت إنه لا يجوز التعاقد مع العامل الزراعي لمدة تتجاوز خمس سنوات وتخفض إلى هذا الحد مدد العقود التي تبرم لأكثر من ذلك، ويجوز تجديد مدة العقد عند انقضائها. وأدى ذلك إلى حركة نزوح كبيرة من الريف إلى المدينة. ونحن على أبواب المؤتمرات السنوية لنقابات الاتحاد العام لنقابات العمال، أختم بما بدأ به ممدوح عدوان حين تسكت عن حقك الواضح، فإنك لن تتوقع من الآخر أن يحترم لك هذا الحق، سيتصرف في المرة القادمة وكأن التطاول على حقوقك من المسلمات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1157