الهجوم الرسمي على الدعم
التصريحات الحكومية للوزراء والمتكررة عن السياسة الاقتصادية الخاطئة التي سارت عليها الحكومات السابقة، والنقد الذي يوجه لها والقصد منه دائماً التصويب نحو سياسة الدعم لتمهيد الأرضية للمواطن ليتقبل قرار رفع الدعم بهدوء ورحابة صدر، والخلاص من هذا الملف نهائياً واستكمال السياسة الليبرالية في القضاء على دور الدولة الأساسي في المجتمع والحياة الاقتصادية والاجتماعية.
لا ترى الحكومة أن الليبرالية الاقتصادية بحد ذاتها جريمة اقتصادية ترتكب بحق الشعب السوري وتزيد من معاناته وتعمق من آثار الأزمة ومن الحصار والعقوبات، وبنظرة سريعة على فوائد الدعم نرى أن فوائده تفوق سيئاته بمرات ومرات، والتي تحاول الحكومة تضخميها وإيهام المواطنين بعدم جدوى الدعم.
فإذا كان النقد يوجه لسياسة الدعم وبأنه لا يمكن الاستمرار بها لأنها ترهق خزينة الدولة وتحملها تكاليف فوق طاقتها فهذا كلام مردود عليه لأن الفساد وما ينهبه من خزينة الدولة أكبر من فاتورة الدعم بكثير وإن استعادة هذه الأموال كاف لرفع الأجور والرواتب وبنسب كافية، وكاف أيضاً لاستثمار الأموال وضخها في القطاع العام الاقتصادي بدل بيعه بثمن بخس للقطاع الخاص المحلي والأجنبي بحجة خسارته، وإذا كانت الحكومة تلمح أن ملف الدعم فتح أبواباً كثيرة للفساد، فالأولى بها محاربة الفساد لا محاربة الدعم فمن قال إن رفع الدعم يعني مكافحة الفساد؟ بل على العكس من ذلك رفع الدعم يعني تسليم قوى الفساد زمام الأمور والتلاعب بلقمة الشعب السوري.
ثانياً، ولأنه من الطبيعي أن يكون من مهام الدولة دعم المواطنين في حال كانت أجورهم لا تكفي لتأمين احتياجاتهم الأساسية، من هنا جاء إقرار سياسة الدعم في القرن الماضي، وحين يتم رفع الدعم لا بد من تعويض أصحاب الأجور ومنحهم أجوراً حقيقية توازي ارتفاع الأسعار وتغيرها في الأسواق فهل الحكومة قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار؟؟، فكيف بحال اليوم حيث يعاني الشعب السوري من عقوبات وحصار كما تدعي الحكومة نفسها والأجور لا تسد سوى 3 % من تكاليف المعيشة، ألا يستحق هذا المواطن الدعم وقد بات يعيش أساساً على المساعدات الدولية وما تؤمنه، حيث تساهم سياسة تجميد الأجور بقتل السوريون جوعاً.
في أوقات الحروب والأزمات بالذات يجب توسيع نطاق سياسة الدعم الذي لا يجب أن يقتصر على المواطن واحتياجاته الأساسية فقط، بل يجب أيضاً توسيعه ليشمل دعم القطاع الإنتاجي الزراعي والصناعي من خلال تخفيض أسعار حوامل الطاقة لما ينعكس ذلك على دعم العملية الإنتاجية وزيادة الاستثمار المحلي المنتج، وبالتالي إيجاد فرص عمل جديدة ومساهمة حكومية باتجاه تخفيض الأسعار، وبالتالي استقرار أكثر بقيمة العملة التي تنخفض قيمتها مع كل رفع لأسعار حوامل الطاقة وتآكل القوة الشرائية للأجور والرواتب تبعاً لذلك، فإذا كانت البيئة في سورية مناسبة للاستثمار كما تدعي الحكومة وتروج وتقيم المعارض الداخلية والخارجية لذلك، فلماذا لا تبادر هي بالاستثمار عبر استرجاع الأموال المنهوبة من قبل قوى الفساد وضخها في معامل القطاع العام؟؟ ولماذا لا تساهم في دعم القطاع الخاص المنتج ليستعيد دوره كما كان قبل الأزمة مما يخفف من فاتورة الاستيراد، فحتى في أعتى الدول الرأسمالية تقوم الحكومات بدعم القطاع الخاص في أوقات الحروب والأزمات وتعمل على حماية الإنتاج وزيادته.
الهجوم الرسمي الحكومي على الدعم وعبر وسائل الإعلام وتسميته بالسياسة الخاطئة تعني أن هناك إصراراً من قبل صانعي القرار على الاستمرار بالسياسات الليبرالية، وبالتالي سيواجه السوريون مزيداً من سياسات الإفقار والتجويع وأنه لا أمل للسوريين للخلاص سوى بالقطع الكامل مع السياسات الليبرالية عبر التغيير الجذري والشامل ومن خلال الحل السياسي وتطبيق القرار 2254 ليقولوا كلمتهم ويحددوا مستقبلهم ومستقبل بلادهم الذي نهشته قوى الفساد طوال العقود الماضية تحت شعارات شتى منها التطوير والتحديث الذي أدى إلى انفجار الأزمة السورية عام 2011 وتهجير السوريين بسبب إفقارهم وتجويعهم من خلال الليبرالية التي تعتبر قمعاً اقتصادياً مورس بحق الشعب السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1144