فتات الفتات للعمال
عشر ساعات عمل يومياً يقضيها العمال خلف آلاتهم ومكناتهم وفي ظروف وشروط عمل قاسية، حيث أغلب المعامل والمنشآت ليس فيها تكييف أو تدفئة ولا توجد مواصلات مؤمنة لمكان العمل ويعمل هؤلاء العمال على مدار أسبوع كامل دون إجازة أو مكافأة أو تعويض وفي نهاية الأسبوع يتقاضون أجوراً لا تتجاوز مئة وخمسين ألفاً، وفي أحسن الأحوال مئتا ألف ليرة سورية فقط لا غير، هذا إذا لم يكن البعض قد سحب سلفة من راتبه ليتم اقتطاعها من أجره الهزيل هذا، حيث لا يبقى للعامل إلا فتات الفتات رغم الأرباح التي يراكمها أرباب العمل من جرّاء عمل العمال.
وحين يطالب هؤلاء العمال بزيادة رواتبهم تبعاً لزيادة الأسعار ولو زيادة بسيطة يتم تهديدهم بالفصل من عملهم واستبدالهم بغيرهم، حيث تكون الفرصة مناسبة لرب العمل لتسريح عماله دون رحمة أو شفقة، ودائماً عبارة واحدة تدور على ألسنة أرباب العمل «نحن عم نعطي رواتب أكتر من الدولة» وكأن الأجور في المؤسسات الحكومية هي المعيار في تحديد الأجور وليست الأسعار وتدني قيمة العملة، وغالباً ما يتعمد أرباب العمل في البحث عن عمال شباب غير متزوجين، وذلك لأن متطلباتهم صغيرة وليسوا مسؤولين عن عائلات، ولا يطالبون بزيادات، أي إنهم لا يزعجون رب العمل بحجة عدم كفاية أجورهم لمتطلبات المعيشة.
أمام هذه الأجور يتحتم على العامل ترك عمله عند فقدانه الأمل في زيادة أجره ويتم البحث عن عملٍ آخر ليصدم برب عمل آخر وبالأجور ذاتها وبمعاناة لا تفترق أبداً عن سابقاتها، لتبدأ رحلة البحث عن عمل من خلال الهجرة.
فأغلب العمال باتت الهجرة ملاذهم الوحيد وخاصة إلى الدول المجاورة والتي يتعرضون فيها لاستغلال مضاعف حيث بات استغلال حاجة العامل السوري ومنحه أجوراً هزيلة ميّزة لدول الجوار ولكن يرى العمال أنه بالرغم من هذا الاستغلال فإن الأجور هناك أفضل مئة مرة من الأجور داخل الوطن، حيث يبحث العامل السوري عن إقامة في مكان العمل ومنهم من يضطر للنوم في الشوارع والحدائق ريثما يؤمن فرصة عمل مع منامة، وغالباً فرص العمل تفرض عليهم العمل لا ثنتي عشرة ساعة أو خمس عشرة ساعة يومياً، حيث لا يشعرون بحياتهم ولا بأيامهم كيف تمر وجل همهم تأمين مبلغ بسيط يرسلونه إلى عائلاتهم في الوطن، فقد بات العامل السوري موضع استغلال أينما ذهب رغم أنه يتمتع بخبرة فنية تميزه عن غيره، وقدرة على العمل وتحمل لصعوباته إضافة إلى مصاعب الغربة وظروفها، ولكن تبقى الغربة أهون عليهم من البقاء في الوطن وفقدانهم للحيلة وهم لا يستطيعون تأمين خبز لعائلاتهم وغير قادرين على وقف هذه المأساة.
والحكومة مع كل ما سبق ذكره لا ترى مشكلة بالأجور والرواتب ولا تسعى إلى وقف معاناة العمال الذين يشكلون غالبية الشعب، بل جل همها متابعة سياساتها برفع الدعم ورفع الأسعار المستمر وخاصة حوامل الطاقة من كهرباء ومحروقات وخصخصة القطاع العام وبيع مؤسساته ومعامله بأبخس الأثمان ولشركات حديثة العهد وغير معروفة ومن دون التقيد بالشروط الفنية والقانونية التي عادة ما تتم مراعاتها عند التعاقد مع شركات القطاع الخاص وكأنها في سباق مع الزمن لزيادة معاناة المواطنين وممارسة مزيد من الضغوط المعيشية عليهم، حتى باتت الحكومة بنظر المواطن معادية له ولمصالحه وهي وجهة نظر محقة، لأن الحكومة تمثل مصالح قوى الفساد المعادية للوطن والشعب والتي تستغل فرصة تعطل الحل السياسي وتتعمد إطالة عمر الأزمة لتمارس مزيداً من النهب للدولة والمجتمع وكل هذا يتم تحت شعار مواجهة المؤامرة الكونية وحماية السيادة الوطنية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1131