بؤس البائسين

بؤس البائسين

يقترب عيد الأضحى كغيره من المناسبات الاجتماعية، حاملاً معه أعباء تثقل كاهل الآباء والأمهات، أعباءً تقتل فرحة العيد للكبير قبل الصغير، أعباءً تضرب قلوب الفقراء قبل جيوبهم الفارغة، فالعيد في ظل الأوضاع المعيشية الراهنة أصبح مجرداً من فرحته وطقوسه، مجرداً من مشاعر الناس تجاهه، ولكنه لم يتجرد من تكاليفه المتضخمة في ظل انكماش وتآكل وتدهور وانعدام القدرة الشرائية لجل الكادحين والعمال.

حفنة من الليرات معدومة القيمة يحملها ذاك الأب المناضل أو تلك الأم الكادحة، بضعة قروش لا تسمن ولا تغني من جوع هي سلاح الكادحين في مواجهة تكاليف معيشتهم واحتياجاتهم التي لا نهاية لها ولا حصر. ما الذي يمكن أن تفعله مئة ألف ليرة أو مئتي ألف أو حتى خمسمئة ألف ليرة في أحسن الأحوال أمام عاصفة الاحتياجات الأساسية منها فقط. تلك الأساسيات التي أصبحت قيمتها ما يزيد عن خمسة ملايين ليرة شهرياً في الأحوال العادية، فكيف هو الحال بمناسبة كمناسبة العيد.

هذه المعادلة بين مقدار الدخل وحجم التكاليف في ظل عيد الأضحى، أجبرت أهالي الطبقة العاملة على المفاضلة بين أطفالهم وأبنائهم، مَن هو الطفل سعيد الحظ الذي سيحظى بألبسة جديدة هذا العيد؟ على الجهة المقابلة من هو الطفل البائس الذي لن يكون له شيء في هذا العيد ولا حتى حذاء جديد؟ هذه الأوضاع المعيشية القاتلة حولت «العيدية» من مجرد عيدية إلى عبء يحتاج للحساب والتخطيط، ليس غريباً أن يقف الرجل حائراً لمَن من أقربائه سيعطي العيدية وأمام من منهم سيحاول أن يتجنبها. ليس غريباً أن تصبح حلويات العيد في بيوت الكادحين الفقراء عبارة عن صحن يوجد به حبات تمر بجانب فنجان القهوة المرة فقط؟

إن هذه الأوضاع أرغمت أبناء الطبقة العاملة على المفاضلة بين ما لا يمكن المفاضلة به. أجبرتهم على ممارسات لا تمت لقلوبهم ولا مشاعرهم ولا أخلاقهم ولا كرمهم بصلة لا من قريب ولا من بعيد. فحين يقف المرء الكادح أمام هول حالة أطفاله أمام جوعهم وبؤسهم، مرغماً سيحاول توفير ما تيسر له من ليرات ليبقي أطفاله على قيد الحياة.

ساعات العمل في ظل الأعياد

يعمل الكادحون السوريون في الأحوال العادية ما لا يقل عن 12 إلى 15 ساعة وبمهن متعددة تكاد تصل إلى ثلاث مهن أو وظائف، سعياً منهم لتخفيض حجم الهوة والفجوة بين ما يحصلون عليه من أجر وبين ما يجب أن يدفعوه كتكاليف حياتهم، إلا أن الوضع مختلف بشكل أكثر عنفاً وإنهاكاً فيما يخص ساعات العمل في أيام العيد، خاصة لعمال المطاعم ومحلات الألبسة وغيرهم الكثير الذين يعملون ما يقارب 20 إلى 24 ساعة بشكل متواصل دون راحة أو مقابل، فمن أجل أن يكون المقابل مقابلاً لا بد من أن يتناسب وكمية ساعات العمل التي أجبر العامل أن يقضيها بالقرب من أدوات عمله التي ملّ منها أكثر من ملل صاحب العمل من طلبات رفع الأجور، هذه الساعات التي أجبر أن يقضيها بعيداً عن أطفاله، مغترباً عن أهله في أشد اللحظات عاطفةً وحباً واشتياقاً لهم.

كيف تجرد العيد من جوهره؟

كيف يمكن أن نسمي العيد عيداً إذا لم يمارس أهله طقوسه وعاداته؟ ما هو العيد ومعظم العاملين والكادحين يقفون عاجزين أمام متطلبات هذه المناسبة؟ كيف يستطيع هذا العامل أو ذاك أن يشعر بالعيد وهو بعيد عن أطفاله وعن أسرته يعاني ما يعانيه من شدة العمل وقسوته؟

إن ما وصلت إليه الأوضاع المعيشية من تدهورٍ وبؤسٍ وعوزٍ، أجبرت الكادحين على الاغتراب عن أكثر الطقوس ارتياحاً وراحةً، أكثر المناسبات التي تعطي المفقرين راحة نفسية حتى لو كانت مؤقتة، تلك النفوس الكريمة التي لم تعد تعرف الهدوء ولا السكينة، هذه النفوس النفيسة التي مسحت وسحقت في ظل السعي والركض وراء تأمين لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1128
آخر تعديل على الأربعاء, 19 تموز/يوليو 2023 21:09