بذور الوعي لا تموت

بذور الوعي لا تموت

يخرج بين حين وأخرى بعض التحركات العمّالية خارج الأطر الرسمية والنقابية، على مبدأ (ما بحك جلدك إلا ظفرك) وإن سمحت لنفسك وسألت النقابات عن علمهم بها (التحركات العمالية)، فستعرف أن هذه النقابات لا علم لها بها كون عمال القطاع الخاص في معظمهم لا نصيب لهم بالجهد النقابي من تنسيبهم ووضعهم تحت المظلة النقابية بالرغم من تضمين الكثير من النقابات في برامجهم السعي والعمل لتنسيب عمال القطاع الخاص ويبقى العمل من أجل ذلك بحدوده الضيقة التي لا تغير شيئاً من وزن عمال القطاع الخاص في النقابات بشيء ويلاحظ هذا الأمر بوضوح عند عقد المؤتمرات النقابية حيث يكون عمال القطاع الخاص موجودين، تكون هناك مطالب حقيقية ومختلفة عما يطرح عادة في مثل هكذا جلسات نقابية ولكن هذا الواقع، لم يمنع من توجه بعض العمال لإمساك زمام أمورهم بنفسهم وهذا ما حصل في أحد معامل صهر وسكب المعادن في ريف دمشق.

حيث قام العمّال بزيادة الضغط على رب العمل من خلال قيامهم بإضراب مفتوح حتى يقبل رب العمل بزيادة الأجور الذين طالبوا بها عدة مرات منذ نهاية عيد الفطر، ولكن في كل مرة كان رب العمل يلقي عليهم بالوعود الخلبية والتسويفات المعتادة التي يلجأ إليها رب العمل في مثل هذه الحالات، محاولاً تأجيل هذا الاستحقاق قدر إمكانه من الأيام سعياً منه لكسب أقصى ربح ممكن على حساب تعبهم وساعات عملهم. الأمر الذي دفع العمال إلى قيامهم بالتوقف عن العمل وكان مفتوح المدة نتيجة الضغوط المعيشية الصعبة التي يتعرضون لها على مدار اللحظة ولعلمهم المسبق بموقف رب العمل من مطالبهم.
بالتنسيق بينهم والاتفاق على أن يكون موقفهم واحداً من مطالبهم، قام العاملون في هذا المعمل والبالغ عددهم عشرة عمال بإضراب مفتوح بدون سابق إنذار متوقفين بشكل كامل عن كل أنشطة العمل، خاصة في ارتفاع ذروة الطلب على منتجات المعمل، سعياً منهم لوضع رب العمل تحت ضغط كبير (ضغط انخفاض الأرباح) فعلى حد قول طه وهو أحد العمال المؤثرين مهنياً وسلوكياً إن رب عملهم (عبّاد الليرة)، وبالتالي من أجل حصولهم على زيادة الرواتب لا بد من ضرب رب العمل بالمكان الوحيد الذي يتألم منه.
حاول رب العمل إنهاء هذا الاضراب بنفس الأسلوب الذي كان يتبعه في كل مرة، من خلال إلقاء الوعود الفارغة وتأجيل رفع الرواتب لبعد عيد الأضحى (إنو هي المرة غير)، إلا أن العمال رفضوا رفضاً قطعياً لا عودة للعمل ما لم يتم رفع الرواتب.
يكمل طه (الوجه الأبرز) أن رب العمل حاول أن يغريه بزيادة راتبه لوحده فقط من أجل إنهاء هذا الإضراب وعودة العمال إلى العمل، فربّ العمل يعلم تماماً أن طه هو المنظم والمحرك والمؤثر بالعمال وأن كلمته تكاد (ما بتصيير تنتين)، وبالتالي حاول رب العمل إغراء طه بزيادة راتب تصل إلى 100% من أجل أن ينتهي هذا الإضراب بأقل خسائر ممكنة من وجهة نظر رب العمل. وكان رد طه بالرفض القاطع وقال له (زيادة رواتب العمال كلهم قبل راتبي).
يتميز هذا العامل بكفاءته المهنية العالية في هذه المهنة، الأمر الذي يجعل من رب العمل غير قادر على استبداله، علماً أن رب العمل حاول عدة مرات التخلي عنه، ولكنه كان يعاود الاتصال به رغماً عن أنفه تحت شعار (إنه هاد الشغل شغلك، والمعمل بلاك بفوت بالحيط)، إضافة إلى خبرته المهنية فإنه قادر أيضاً على تعليم زملائه بسرعة لا بأس بها وبالتالي فإن رب العمل غير قادر على الاستغناء عنه.
الخلاصة:
إن ابتعاد النقابات العمالية عن عمالها، لا يعني بالضرورة ابتعاد العمال عن مصالحهم، لأنهم أبناء الواقع المعاش والأشد التصاقاً به والأدرى بمصالحهم وحقوقهم التي يطالبون بها
ولا خلاص لهم إلا بتعزيز وحدتهم التنظيمية وتطوير وعيهم بمختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والديمقراطية.
وما هذه التحركات الصغيرة بشكلها الذي نراه هنا أو هناك إلا مجرد بروفات يتعلم من خلالها العمال ويكتسبون خبرتهم من تجاربهم الحية والملموسة كي يخرج مجموع الكادحين والمنهوبين من تحت خط الفقر المدقع إلى حياة كريمة تليق بعرقهم وسواعدهم التي تبني أوطاناً بأكملها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1127
آخر تعديل على الإثنين, 19 حزيران/يونيو 2023 16:30