مرة أخرى دفاعاً عن النقابات

مرة أخرى دفاعاً عن النقابات

تتحدد مهمة النقابي من خلال وعيه للمرحلة التي وجد فيها، وموقفه من نظام الاستغلال القائم على الطبقة العاملة ومعرفته للواقع الملموس الذي يعيشه العاملون بأجر. وهي تحدد ممارسته النضالية في الصراع من أجل حقوق ومصالح من يمثلهم في القطاعات العمّالية المختلفة المتواجد فيها.

العمل النقابي هو ضرورة أوجدتها الحياة لطبيعة الصراع بين العمل المأجور ورأس المال. أما التماهي إلى درجة المساومة على الموقف والحقوق والمصالح العمّالية خدمة للسلطة التنفيذية سواء بوعي أو بغير وعي هو خطأ قاتل للنقابي والتنظيم النقابي، إن العمل النقابي ليس بعمل سهل أو بسيط، وليس بعمل بيروقراطي من وراء المكاتب. إننا هنا ندافع عن التنظيم النقابي من قناعتنا أنه ليس ملكاً للطبقة العاملة فحسب، بل إنه ملك لكافة الجماهير الكادحة بسواعدها وأدمغتها. وبالتالي المتطفل على العمل النقابي عليه الرحيل منه، وعلى النقابي الحقيقي تسريع ترحيل هؤلاء المتطفلين عنه، وأن يمتلك معرفة حقيقية بالمصالح الطبقية لمن يمثلهم، ليس بالخطابات والبيانات الطنانة فقط، وأن يتمتع بالنزاهة والقدرة على فضح الانتهازية داخل الحركة النقابية، وعدم المهادنة، وهذا ما يكسب التنظيم النقابي القوة والجماهيرية. فالحركة النقابية هي الإطار التنظيمي لخوض الصراع ضد نظام الاستغلال الذي تمارسه السلطة التنفيذية وأرباب العمل.
كانت النقابات السوريّة من المساهمات في تأسيس اتحاد النقابات العالمي، لكن الحركة النقابية منذ أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي بدأت تفقد دورها الوظيفي شيئاً فشيئاً وأصبحت تخضع لما تمليه عليها الأجهزة الحكومية، وهو ما ينطبق على كل التنظيمات النقابية الأخرى في البلاد، حتى أصبحت على ما آلت إليه اليوم. حيث استخدمت السلطات التنفيذية ضغوطات عدة على الحركة النقابية للحد من استخدام الأساليب الكفاحية والنضالية الأساسية المعروفة لدى كل العمال والحركات النقابية في العالم أجمع للدفاع عن حقوق العمال، مما أفقدها حقها الدستوري الذي عبر عنه الدستور. إن أكثر ما تخشاه الأنظمة الرأسمالية وخاصة في دول العالم الثالث، وكذلك قوى النهب والفساد الكبرى هي النقابات التي تعي دورها الوظيفي وبالأخص النقابات العمالية، لأنها تشكل قوة كبرى ضد النهب والفساد والاستغلال في أية دولة كانت.
إن النقابات في كل المجتمعات هي أحد الوسائل والأدوات التي تمنع وتحد من استعمال أجهزة الدولة ضد المجتمع وخاصة مصالح وحقوق العمّال والكادحين الاقتصادية المعيشية من رواتب وأجور وغلاء، وكذلك الحقوق الديمقراطية والتشريعية من قوانين عمل وضمان اجتماعي وصحي وضمان شروط وظروف عمل مناسبة.
إن السؤال الذي يشغل بال العمال والعديد من الكوادر النقابية اليوم، ما العمل الذي يعيد للحركة النقابية والنقابات ألقها، هذا إضافة إلى كيفية النضال اليومي من أجل رفع الأجور للعمال بما يتناسب مع هذا الوضع المعاشي المزري وتحقيق التوزيع العادل للثروة الاجتماعية.
وخلاصة القول، إن أي إضعاف لقوى المجتمع الحية من نقابات وأحزاب سياسية هو إضعاف للدولة، لأن ذلك يفتح الطريق للسلطات أن تبتعد عن وظيفتها الحقيقية، وهي خدمة المجتمع والبلاد عامة، حيث تقوم بنخر جسم الدولة، نتيجة عدم وجود من يكبح هذه السلطات سلمياً، مما يؤدي إلى انتشار وتصاعد الفساد والنهب، وقد يؤدي هذا عادة إلى رد فعل فوضوي من المجتمع، وهذا بطبيعة الحال يوقع الدولة في الفوضى وعدم الاستقرار، وقد تصل أحياناً إلى حرب أهلية قد تكون سبباً في انهيار الدولة بحد ذاتها، ويمكننا القول هنا أيضاً إن بناء الدولة الحديثة وقوة هذه الدولة تكمن أيضاً بقوة نقاباتها وخاصة النقابات العمالية التي تعرف دورها الوظيفي، وكذلك أيضاً بقوة أحزابها السياسية، إن أكبر خطر يهدد بناء الدولة هو أن تحاول السلطة التنفيذية إضعاف هذه النقابات وتحويلها إلى أدوات في خدمتها واحتوائها ضمن بوتقتها. حيث تتمثل مهمة هذه النقابات والقوى الأخرى في المجتمع في مراقبة السلطات وتقويمها عندما لا تقوم بواجباتها الوظيفية والوطنية تجاه المجتمع كما يجب أن تكون، وفضح الفساد والدفاع عن مصالح من تمثلهم باستخدامها الأدوات والوسائل السلمية الناجعة، ويمكن لها أن تبدأ اليوم ببعض الاحتجاجات أو الاعتصام أمام مجلس الشعب أو مجلس الوزراء، وبهذا تكون الحركة النقابية قد وضعت اللبنة الأولى لمساهمة فعالة في التنمية بكل أشكالها الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية وتطوير الصناعة والزراعة في قطاع الدولة والقطاع الخاص على حد سواء، والمساهمة الأكبر في إعادة توزيع الدخل الوطني من الثروة المنتجة في المجتمع وفي ضوء ذلك هل تستطيع النقابات أن تعيد تنظيمها تنظيماً جديداً وفعالاً، بالاستفادة من تطوير وتحديث تجاربها التاريخية وأدواتها الكفاحية، نعتقد أنه بإمكانها ذلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122