119 ساعة عمل أسبوعياً
يظهر التقرير بما يحتويه من أرقام صادمة تعكس حجم وعظم مأساة الطبقة العاملة التي تعيشها بمستوى أجورها المنخفضة، التي لم تعد تسد الرمق، والتي بالضرورة تنعكس على مستوى معيشتها، وعلى قدرتها في تجديد قوة عملها، مما يضطرها لزيادة ساعات العمل المتوجب عليها أن تعملها حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة، حتى لو كان هذا الأمر، أي زيادة ساعات العمل على حساب صحتها التي تعصف بها الأمراض.. أمراض العمل المزمنة.
لقد أظهرت بيانات جمعها مركز السياسات وبحوث العمليات (OPC) في مدينة دمشق، عن الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في العاصمة، من حيث أقسام العمل والإنفاق والاستهلاك، أنّ رُبع عمال دمشق يعملون أكثر من 60 ساعة أسبوعياً.
وقالت الدراسة: إن 41,1% من العمال يعملون 60 ساعة في الأسبوع، ونسبة 24,4% منهم يعملون أكثر من 60 ساعة أسبوعياً، وأكدت أرقام المركز: أن 53% من عوائل المستجيبين للدراسة يعيشون تحت خط الفقر.
وخلُصت الدراسة التي رصدت تحوُّلات سوق العمل السورية منذ بداية الأزمة في 2011، إلى أن أعلى نسبة تشغيل كانت للفئة العمرية (26-35) عاماً وبنسبة 77.7%، تَلَتهَا الفئة العمرية (36-45) بنسبة 76.5%.
وأشار مركز السياسات وبحوث العمليات (OPC)، إلى أن 30,3% باتت مِهنتُهم عمّالاً يُمارسون أكثر من عمل في وقت واحد، بسبب تدنّي المستوى المعيشي وانهيار الاقتصاد السوري، الذي يمرُّ بأسوأ مراحله منذ 2011 وهبوط قيمة الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها مقابل العملات الأجنبية، والذي أدى بدوره لانخفاض الرواتب وارتفاع تكلفة الواردات.
وخلُصت دراسة المركز الذي رصد 600 مقابلة أجريت في ثلاثة تجمُّعات سكنية ضخمة في دمشق وفي مناطق مختلفة المستويات، وهي منطقة مرتفعة الدخل (ركن الدين)، ومتوسطة الدخل (الزاهرة)، وفقيرة (نهر عيشة)، أنّ متوسط العمل بدوام كامل كان بنسبة (52.5) ساعة، وهو أعلى نسبةً من المُعدّل المسموح بموجب قانون العمل السوري لسنة 2004، والذي حدّد متوسط ساعات العمل للعمال في كافة المحافظات السورية بـ(46,2 ساعة) في الأسبوع.
وفي تعليق له على نتائج دراسة مركز (OPC)، قال سمير اليافي، عامل البناء في مدينة دمشق: إن الدراسة لم تتناول العاملين في المِهن التي تستغرق ساعات العمل الأطول على الإطلاق، كأعمال البناء والمطاعم ومحلات بيع الأغذية والخضار وغيرها، مؤكداً أنه ومنذ شهور لم يحظ كغيره من عمال البناء بإجازة يقضيها مع أطفاله الثلاثة.
ويقول سمير: إنه يعمل منذ السادسة صباحاً ولغاية السادسة مساءً بدوام 12 ساعة يومياً، ليُعيلَ عائلته الصغيرة، ويرعى والدته وشقيقته، ويُضيف سمير «حتى أيام الجمعة لا أتوقف عن العمل، وأحياناً نضطرُّ للعمل 15 ساعة في اليوم، لنُنهي تسليم الأبنية في توقيتها المحدد».
وسمير ليس الحالة الاستثنائية فقط، حيث يُشاركه «غريب45 عاماً»، ساعات العمل الطويلة منذ 15 عاماً، ويملك دكّاناً لبيع الخضار والفاكهة في منطقة الميدان في دمشق. يقول «غريب»: إنه يستيقظ يومياً في الخامسة صباحاً ليقصد سوق «الزبلطاني» لشحن وبيع الخضار والفاكهة، يشتري احتياجات محلّه ويغيب عن عائلته يومياً أكثر من 15 ساعة.
ويؤكد غريب: إنه يبقى في العمل طوال النهار وساعات من الليل، ويعود في العاشرة مساءً وأحياناً يضطر للبقاء للساعة 12 ليلاً حتى يُنهي بيع خضاره. ويُضيف «أعمل بساعات دوام تتراوح بين 15/17 ساعة في اليوم، أي حوالي 119 ساعة أسبوعياً حتى أؤمّن احتياجات عائلتي المؤلفة من ثمانية أشخاص، فلديّ ثلاث بنات طالبات جامعة يدرسنَ الطبَّ والصيدلة، والبقية طلاب مدارس يحتاجون لمصاريف كبيرة «.
وأكد غريب: إنه لم يجتمع بعائلته إلا في أيام العيد، فهو يعمل حتى أيام الجمعة، ويُحرم من رؤيتهم بسبب انشغاله في العمل.
وإلى المشاكل الصحية التي قد يُعاني منها، قال غريب: إنه يشتكي دائماً من التعب والوهن وآلام المفاصل والظهر بسبب ساعات العمل الطويلة، وأوضح «أعاني من مشاكل صحية في رقبتي وعمودي الفقري ونصحني الأطباء بالراحة، وإني بحاجة لعملية جراحية في ظهري، لكنني مُجبر على الاستمرار في العمل لأنني المعيل الوحيد لعائلتي «.
ومن جانبه، حذر أخصائيُّ الأمراض القلبية الطبيب «نظام أمين» من المخاطر الصحية للأشخاص الذين يعملون لساعات طويلة، وأنهم أكثر عُرضة للإصابة بالجلطات الدماغية.
وأشار أمين في حديثه، إلى أن خطر الإصابة تزيد بنسبة 10% بين الأشخاص الذين يعملون بقياس 40 ساعة في الأسبوع، و30% للأشخاص الذين يعملون مدة 54 ساعة في الأسبوع.
ونوّه أمين إلى أن نسبة الإصابة بالجلطات القلبية والدماغية تصل إلى 60% للذين تتجاوز ساعات عملهم 100ساعة في الأسبوع، مضيفاً، أن ساعات العمل الطويلة تؤثر على نسبة الولادات التي تتضاءل في البلدان التي تتجاوز ساعات العمل فيها الساعات التقليدية المعروفة في العالم.
وبيّن الدكتور «نظام أمين» أن الأوضاع المعيشية السيئة في سورية وانهيار عملتها المحلية والعقوبات المفروضة عليها، دفعت شرائح عديدة من السوريين إلى العمل بأكثر من مهنة في اليوم، مما قلّص ساعات الراحة والإجازات في حياتهم، وأثّر على صحتهم النفسية والجسدية.
أعلنت منظمة الصحة العالمية، الاثنين، أن العمل لساعات طويلة يقتل مئات الألوف من الأشخاص سنوياً، في اتجاه يزداد سوءاً وقد يتسارع أكثر.
وفي أول دراسة عالمية عن الوفيات المرتبطة بالعمل لساعات طويلة، أوضحت ورقة بحثية نُشرت في دورية (البيئة الدولية) أن 745 ألف شخص ماتوا عام 2016 بسبب الإصابة بالسكتة الدماغية، أو أمراض القلب المرتبطة بالعمل لساعات طويلة، وبلغت نسبة الزيادة قرابة 30% عن عام 2000.
وقالت ماريا نيرا، مديرة إدارة البيئة والمناخ والصحة في المنظمة: «العمل لمدة 55 ساعة أو أكثر أسبوعياً يمثل خطراً شديداً على الصحة».
منقول وكالات
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1117