عندي كوم لحم بدي طعميهن

عندي كوم لحم بدي طعميهن

أثناء زيارتنا إلى إحدى الأراضي الزراعية في منطقة الكسوة لأحد معارفنا، التقينا بأحد العاملين في هذه الأرض. أبو حسين من أهالي داريا الذين نزحوا من المدينة في سنوات الحرب العسكرية للمناطق الآمنة ليرى نفسه نجا من الحرب والقذائف والرصاص والشظايا، ليموت تدريجياً نتيجة الحرب المعيشية الأشد قسوةً وخطراً على حد تعبيره.

يعمل أبو حسين يومياً حوالي 13 ساعة في الأرض، يواجه حرّ الشمس صيفاً والبرد القارس شتاءً، ويواجه استغلال صاحب الأرض وغلاظته يومياً على مدار السنة.
يبلغ دخل أبو حسين جرّاء عمله في الأرض حوالي 500,000 ألف ليرة في بيئة عمل لا تعرف شيئاً عن السلامة المهنية، فاحتمال إصابته بأية إصابة عادية مرتفع جداً نتيجة عمله في الظروف القاسية بيديه المجردتين وهو يعارك قساوة الأرض ويتعرض لأشعة الشمس وحرارتها أو البرد الشديد، ناهيك عن طبيعة العمل والمهام فهي بمجملها تقريباً قاسية، ولنا بملامح وجهه والتجاعيد والجروح إضافة إلى إصبعه المبتور– الذي سنتطرق إليه بشيء من التفصيل لاحقاً– خير دليل على حجم المعاناة التي ترافقه بشكل لحظي وهو يسعى لتأمين معيشة أسرته.
وعند سؤاله عن إصبعه المبتور بدأ يسرد القصة كما يلي: والله تقريباً السنة الماضية متل هالأيام، اتعطل متور المي وكان لازم نسقي الجزر، إجا المعلم هو وولاده مشان نشوف شو لازم نعمل نجرب دوّره ما يدور، قام اقترح علينا صاحب الأرض إنو دوره بشكل يدوي، تعال لورجيك شلون يعني بشكل يدوي (محرك الديزل موصول بقشاط كاوشوك بطرنبة المي يلي موجودة ع فوهة البير) بدنا ندور المحرك بسحب القشاط كزا مرة لحتى يدور، المهم بلا طول سيرة أنا صرت اسحب بأخطر مكان وولاد المعلم ساعدوني من بعيد لبعيد وفجأة اشتغل المحرك وعلقت إصبعتي بالقشاط وسحبها وانقطعت، وبلش الدم ينفر بغزارة من إيدي وخليها لله، أخدونا لعند الدكتور ولفولنا شاش وقلي المعلم يلا ارتحلك يومين تلاتة لأنو عنا شغل كتير. وعند سرده للقصة جعلنا نرى قطرات دمه الموجودة على جسم المحرك، فهي ما زالت موجودة منذ السنة الماضية.
كما قلنا سابقاً يتقاضى ابو حسين 500,000 ألف ليرة شهرياً وكما هو معروف عن طبيعة هذه الأعمال فإن الأجرة يتم حسابها يومياً إلا أن دفع الأجرة يتم أسبوعياً أو شهرياً أو حتى أكثر من ذلك، فحسابها فقط يتم بشكل يومي أما دفع الأجرة للعامل يتوقف على رغبة صاحب الأرض وتقديراته وحالته النفسية. وعلى افتراض أن أبا حسين كان يتقاضى السنة الماضية حين بترت إصبعه الرقم نفسه، أي ما يعادل 16,600 ليرة تقريباً بشكل يومي وهو يعمل 13 ساعة بشكل متوسط فإن أجرة الساعة تقريباً تقدر ب 1300 ليرة تقريباً وأجرة الدقيقة تقدر بحوالي 21 ليرة، فإذا عملنا مقارنة بسيطة بين الخسائر والمكتسبات التي حققها أبو حسين لحظة بتر إصبعه، يوضح لنا وعلى افتراض أن بتر إصبعه استغرق ثلاث دقائق على حد تعبيره فإن المكتسبات التي حققها أبو حسين تقدر ب 65 ليرة تقريباً في حين أن الخسائر التي تكبدها وبغض النظر عن قوة عمله واستغلاله وجوعه وبؤس حياته فقد خسر مقابل الـ65 ليرة التي جناها في تلك اللحظة خسر فيها إصبعه، خسر طرفاً من أطرافه، فقد جزءاً من جسمه، لنا أن نتخيل حجم الأذى النفسي الذي يتعرض له أبو حسين عند نظره إلى إصبعه، عند رؤيته لقطرات دمه الموجودة على جسم المحرك الجامد. وختم حديثه بأن كل هذا من أجل تأمين معيشة أسرته (عندي كوم لحم بدي طعميهن).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1096