هل حرية النقابات مؤمنة في الليبرالية؟
أديب خالد أديب خالد

هل حرية النقابات مؤمنة في الليبرالية؟

تنادت النقابات في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لتأسيس اتحاد نقابي عالمي يجمع كل النقابات في العالم، وقد تأسس اتحاد النقابات العالمي في باريس 1945 بدعم من الكتلة الاشتراكية، مما دعا الكتلة الرأسمالية ممثلة في أوروبا الغربية وأمريكا لتأسيس الاتحاد الدولي للنقابات الحرة.

النقابات في الدول الأوربية

الأنظمة الأوربية الرأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث تغيرت موازين القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية، فهذا التغيير سمح بحرية العمل مع إعطاء نفس مستوى الحريات لمنظمات العمال وتشكيل جدار حماية كافية للعمال تمنع من التعدي على حقوقهم وتؤمن الحد الأدنى من المطالب، وهذه النقابات تستطيع من خلال مساحة الحرية الممنوحة لها الدفاع عن العمال وعن مصالحهم بوجه أرباب العمل، لا بل تصل قدرة النقابات في بعض الدول إلى درجة أنها هي نفسها تفرض الحد الأدنى للرواتب والأجور من خلال الحوار والتنسيق والمفاوضات واتباع أساليب الضغط مع منظمات أرباب العمل ومن دون تدخل من قبل جهاز الدولة، ولهذه النقابات مؤيدوها الملتفون حولها لقناعتهم بقدرتها على تمثيلهم والدفاع عن حقوقهم وهي تستخدم الإضراب كسلاح فعال في وجه الحكومة وفي وجه أرباب العمل كوسيلة ضغط تستطيع من خلالها فرض رؤيتها في حال إقرار قانون أو إجراء ما ضد مصلحة العمال ولكن مع تبني السياسات الليبرالية الجديدة في بداية الثمانينات بدأ وضع النقابات يتغير تدريجياً، وكذلك حال العمال معهم، فقد تقلصت مرحلة الرفاه الاجتماعي التي كانت سائدة ومعها تقلصت حقوق العمال أيضاً وساد القمع لأي حراك عمالي، وهذه صفه ملازمة لمن يتبنى السياسات الليبرالية لأن الليبرالية عبر قمعها تستحوذ على منتوج العمل الذي يصنعه العمال وتمركز الثروة أكثر بيد قلة قليلة بيدها سلطة القرار الاقتصادي والسياسي.

النقابات العربية

بدأ تشكيل وتأسيس النقابات العمالية العربية ما بين نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وقد تميزت بأنها جزء من حركة التحرر ضد الاستعمار، وبعد الاستقلال تحولت هذه النقابات أو الاتحادات العمالية إلى مؤسسات جماهيرية ضخمة وقوية، أما في سورية بدأت ملامح تكوّن الطبقة العاملة تأخذ صورتها الحقيقية والمستقلة في المجتمع مع بزوغ فجر النهضة الصناعية، وإنشاء معمل الإسمنت في دمشق عام 1928 ومؤسسة «ترامواي وكهرباء دمشق» وأخذ الوعي العمالي يتنامى ويتطور، وبدأ نضال الطبقة العاملة يتصاعد ويبلور التنظيم النقابي في ظل ظروف صعبة سياسية واقتصادية وتوج هذا النضال بتأسيس الاتحاد العام 1938، والذي ساهم في تعزيز وحدة الطبقة العاملة، ودمجها في معركة التحرر الوطني، وتنظيم علاقات العمل وحماية العمال، ولاسيما بعد ازدياد حجم الاستثمارات الوطنية في مجال صناعة الغزل والنسيج والكبريت وغيرها وتم العمل الشاق من قبل النقابات لإصدار قانون للعمل يوفر للعمال الحماية القانونية ومع بداية الاستقلال في عام 1946.

النقابات في الوقت الراهن

بعد عام 1958 بدأ التراجع في دور النقابات والحركة النقابية في المنطقة العربية وفي سورية خصيصاً وتمت السيطرة عليها وتوجيهها بما يخدم السياسات الحكومية لا العمال، حيث فقدت النقابات استقلاليتها تدريجياً وأصبحت قراراتها مرهونة لجهات أخرى مما أفقدها القدرة والإمكانية على مواجهة قوى رأس المال وأرباب العمل وخاصة رب العمل الحكومي، حتى انتهجت دول المنطقة الليبرالية الاقتصادية ومنها سورية حيث ازداد الوضع سوءاً لجهة تدهور الوضع المعيشي وفقدان العمال والنقابات للحريات السياسية والديمقراطية ولهذا لم تستطع النقابات الدفاع عن العمال وعن مكتسباتهم التاريخية، ولم تنتج الليبرالية الاقتصادية ليبرالية سياسية وحريات لطرفي علاقة العمل كما وعدنا دعاة الليبرالية، بل نشأت ليبرالية مشوهة بشكل مسخ عن سابقاتها في الدول المتقدمة وترافقت مع زيادة في قمع الحريات السياسية والتضييق على المجتمعات ونهب القطاع العام وتكبيل وجعل نقابات العمال تحت السيطرة الحزبية والأمنية ومنعها من أداء دورها النضالي في الدفاع عن العمال حتى تحولت هذه النقابات إلى مجرد تابع حكومي لا يستطيع تمثيل نفسه والعمال غير معترفين بها، وربما لم يسمعوا عن الكثير من قياداتها المفترض أن يكونوا قادة نقابيين حقيقيين وبهذا يكونون معروفين من قبل العمال وحتى المجتمع.

ليبرالية = قمع

تراكمت الأرباح والأموال الطائلة في قطب واحد من المجتمع لا يمثل سوى 10% وربما أقل من الشعب وتراكم البؤس والفقر والبطالة في القطب الآخر، وكان من الضروري لليبراليين أن يتبعوا سياسة قمعية وأمنية تجاه المجتمع وتجاه النقابات خاصة لمنعهم من مجرد حتى الاحتجاج على أوضاعهم السيئة كي لا يرى أحد ذلك البؤس الناتج عن النهب الذي زرعته الليبرالية في نفوس الشعب، ولتصوير الليبرالية بأنها المنقذ الوحيد لنا من حالة التخلف الاقتصادي والسياسي التي نعاني منها منذ عشرات السنين، ولكن في الحقيقة هي تستكمل الخراب في أنظمتنا وتجعل من نهبها أكثر حدة لتصل إلى درجة تمزيق مجتمعاتنا وتخريب بلداننا من الداخل ودون أي عناء من قبل الدول الخارجية التي تتربص بنا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1086