الوجه الحقيقي لليبرالية
اديب خالد اديب خالد

الوجه الحقيقي لليبرالية

يزعم مؤيدو الليبرالية الاقتصادية: أن الليبرالية بما تعنيه من انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وترك السوق تنظم نفسها، لا بدّ وأن يؤدي إلى ليبرالية سياسية، وانفتاح سياسي، وإيجاد أنظمة حكم منتخبة تعبر عن المصالح الحقيقية للشعوب.

تقوم الليبرالية حسب وصفهم على الإيمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان، وضمان حقه بالحياة وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون، ولا يكون هناك دور للدولة في العلاقات الاجتماعية، فالدولة الليبرالية تقف على الحياد أمام جميع أطياف الشعب، ولا تتدخل فيها، أو في الأنشطة الاقتصادية.
الوجه الحقيقي لليبرالية ظهر مع انفجار الأزمة الرأسمالية العالمية عام 2008 وفشل الليبرالية الاقتصادية في تحقيق أي ازدهار اقتصادي حقيقي لشعوب العالم، كشّرت الليبرالية عن وجهها الحقيقي، وأنتجت عكس ما بشرت به تماماً، حيث ترافقت الليبرالية دوماً وفي جميع البلدان باضطرابات اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة، وانتهجت الطبقات الحاكمة سياسات قمعية ضد أصحاب الأجور للمحافظة على نسبة الربح التي يستحوذ عليها أصحاب الربح، وهو ما يتجلى اليوم في الغرب، عبر السياسات التقشفية وما حملته من تعديل لقوانين العمل، وتخفيض الأجور، ورفع سن التقاعد، وزيادة دور الدولة البوليسي تحت حجج مكافحة الإرهاب، إضافة إلى قمع التظاهرات والتحركات العمالية.

نتائج الليبرالية في منطقتنا

في منطقتنا أدت الليبرالية الاقتصادية التي اتبعت في أغلب دول المنطقة إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية، تحولت فيما بعد إلى انفجارات سياسية وأمنية بشكل هدد وجود هذه الدول، وجعلها ساحة للتنظيمات الإرهابية التي غذتها الليبراليات الغربية كنوعٍ من تفريغ أزماتها الاقتصادية، وكانت الليبرالية قد طبقت بدعم من صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي عبارة عن حصان طروادة لتدمير المجتمعات العربية، بحيث مهدت الطريق للإرهاب للإجهاز على هذه الدول، بعدما استكمل تدمير اقتصادياتها تحت شعار الليبرالية الاقتصادية من خلال تحويل مجتمعاتها إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة، مما أدى إلى زيادة في معدلات البطالة، وانخفاض نسب النمو، وتراجع مستوى المعيشة وإفقار غالبية الشعب، وانسحاب دور الدولة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومن الطبيعي أن تؤدي هذه السياسات إلى اضطرابات اجتماعية، فكان لا بد أن تترافق هذه السياسات مع تقييد أكثر للحريات وتكميم للأفواه، وإنتاج دولة بوليسية للمحافظة على نسب توزيع الثروة لصالح قوى رأس المال.

الخصخصة على مراحل الفساد

ليس صحيحاً كما يروج البعض، أن الليبرالية الاقتصادية وانسحاب دور الدولة من الحياة الاقتصادية وخصخصة القطاع العام سيؤدي إلى انخفاض معدلات الفساد، بل على العكس تماماً، فقد ترافقت الليبرالية مع مستويات فساد أعلى من خلال تخسير القطاع العام وصفقات بيعه المشبوهة.
كما أنتجت الليبرالية الاقتصادية بيئة قانونية تناسب قوى رأس المال، وتؤمن لها المحافظة على مستوى عالٍ من الربح عبر قوانين استثمار وتشاركية لتزيد من أرباحهم، وتؤمن لها نِسبَ نهبٍ مرتفعة، إضافة إلى قوانين عمل تهدر حقوق العمال، عبر تبني مبدأ العقد شريعة المتعاقدين في عقود العمل، وترك العامل الضعيف وحيداً في مواجهة ربّ العمل صاحب السلطة والنفوذ، ومن خلال تجريم الإضراب وتقييد حرية العمال لمنعهم من المطالبة بحقوقهم، وتحسين شروط وظروف عملهم، إضافة إلى السماح لرب العمل بالتسريح التعسفي، وتعطيل عمل المحاكم العمالية، وجعلها منصة قانونية لرب العمل ليطرد عماله، مع تهميش كامل لمنظمات العمل، ومنعها من الدفاع عن مصالح منتسبيها، مما أفقدها ثقة الطبقة العاملة، وهذا كله عكس ما بشر به الليبراليون على أن الليبرالية تعني احترام كرامة الإنسان وضمان حقه في حرية التعبير والمساواة أمام القانون.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1076