المنظمات المهنية تموت سريرياً
يعتبر دستور عام 2012 الذي جاء بعد انفجار الأزمة السورية عام 2011 نقلة دستورية نوعية في تاريخ البلاد نتيجة لتغيير طريقة إدارة الحكم والنظام السياسي من المادة الثامنة القديمة التي حصرت قيادة البلاد والدولة بحزب البعث إلى ما يزيد على خمسين عاماً إلى المادة الثامنة الجديدة التي نصت على أن النظام السياسي للدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية.
تعطيل الدستور
وبناء على هذه المادة التي كان المطلوب منها نقل البلاد إلى نظام سياسي جديد يقوم على التعددية السياسية وإطلاق الحريات السياسية كان ينبغي تعديل كافة القوانين التي تتعارض معها خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات كما نص على ذلك صراحة في المادة الرابعة والخمسين بعد المئة من الدستور، وخاصة تلك القوانين التي تنظم النقابات والمنظمات المهنية كافة والتي صدرت قوانينها بناء على قرارات القيادة القطرية لحزب البعث التي شرعت تدخله فيها حتى باتت تلك النقابات بمثابة جهات تنفيذية لقراراته فقط حتى فقدت وظيفتها ودورها بالمجتمع.
ويطالب اليوم العديد من منتسبي هذه المنظمات تشريع قوانين جديدة تتناسب والمادة الثامنة من الدستور الجديد خاصة بعد مرور عشرة أعوام على تطبيقه دون تعديل أي من تلك القوانين وتجاوز المهلة الدستورية بأعوام وتردي الأوضاع المعيشية للغالبية دون السماح لهم بالتعبير عن مطالبهم وأوجاعهم، فمثلاً قانون تنظيم مهنة المحاماة الجديد بقي طي الأدراج منذ عشرة أعوام إلى الآن، وقانون التنظيم النقابي الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1968 ورغم كل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها البلاد والطبقة العاملة خلال هذه العقود وخاصة منذ عام 2005 إلى الآن وتبني حزب البعث لسياسة اقتصاد السوق، مقابل إعطاء الدستور نتيجة لدور بعض القوى الوطنية التي شاركت في إعداده وقتها كثيراً من الحقوق للطبقة العاملة وأهمها ضمان استقلالية نقاباتهم وتشريع أهم سلاح لهم وهو الإضراب وتحديد هدف السياسة الاقتصادية للدولة بالعدالة الاجتماعية وربط الأجور بالأسعار كل هذه التطورات كان ينبغي أن تدفع إلى إصدار قانون تنظيم نقابي جديد يراعي تلك التطورات.
لا ثقة للمجتمع بنقاباته
ولكن كيف يجب الإعداد لقانون نقابي جديد؟ هل يجري إعداده ومناقشته من فوق إلى فوق عبر مؤسسات السلطة التنفيذية ودون إشراك العمال أصحاب المصلحة الحقيقيين، وإذا تمت مشاركة اتحاد العام لنقابات العمال في مناقشته فهل يمكن اعتبار القائمين على النقابات اليوم ممثلين حقيقيين للعمال، خاصة بعد موافقتهم على قانون العمل رقم 17 رغم هضمه لحقوق الطبقة العاملة وبعد كل ما تسببوه من مآسٍ للعمال بسبب تبيعتهم الحزبية؟؟
المؤامرة في خدمة قوى الفساد
وعلى ما يبدو أن السلطات وحسب سياساتها السابقة والحالية لم ولن تسمح بإطلاق الحرية للمجتمع ولن تسمح بالمساس بمصالحها السياسية والاقتصادية التي تخدم فئة قليلة ولم ترق لها المادة الثامنة الجديدة من الدستور التي وافقت عليها على مضض وسعت إلى الإبقاء على المادة الثامنة السابقة وقوانينها التي تكبل المجتمع ومنظماته وهذا ما جرى عملياً على أرض الواقع من خلال التدخل المستمر بالمنظمات والنقابات المهنية والعمالية والإصرار على إبقاء السيطرة الحزبية والأمنية عليها والمشاركة في إصدار قراراتها لمنعها من أداء دورها بالمجتمع ما أدى إلى اختلال التوزان بالمجتمع لمصلحة قوى الفساد، ويتذرع البعض بأن المؤامرة هي من عطلت تلك الإصلاحات وأن الوقت غير مناسب لإحداث أي تغيير ويجب الحفاظ على تماسك المجتمع وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع الإرهاب ولكن مع ذلك وجدت السلطات متسعاً للوقت لإصدار قوانين تخدم مصالح قوى الفساد كقانون الاستثمار والتشاركية.
أخيراً
بسبب تعنّت السلطات ومنعها من تطبيق الدستور ونتيجة لهذه السياسات القمعية فقد الشعب الأمل من تغيير سلوكها ولم يعد يتطلع إلى تطبيق الدستور الحالي بل بات الأمل معقوداً على الحل السياسي وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي سيؤدي إلى إحداث تغيير حقيقي يعطي الحرية للمجتمع ويطلق العنان له للتعبير والدفاع عن نفسه بوجه ناهبيه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1066