تقديرات الحركة العمّالية الأمريكية 2022
محمد الفراتي محمد الفراتي

تقديرات الحركة العمّالية الأمريكية 2022

عرف شهر تشرين الأول أمريكياً باسم «سترايكتوبر» بسبب تصاعد الحركة الإضرابية للعمّال من أجل زيادة الأجور وحياة أفضل. ولكن عرف تشرين الثاني أيضاً باسم «سترايكفمبر» للسبب ذاته. ففي أول أسبوع من تشرين الثاني حدث أكثر من 300 إضراب في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

نقلت مجلة إنداستري ويك/ الأسبوع الصناعي عن أكبر اتحادين لنقابات العمالية الأمريكية، فيدرالية العمل الأمريكية ومؤتمر المنظمات الصناعية (يمثلان أكثر من 12 مليون عامل) أنّ موجة الحركة الإضرابية ستتواصل وتتصاعد خلال العام القادم 2022.
ويعتبر انخفاض الأجور أكبر محرك لهذه الإضرابات، تليه المطالب الأخرى مثل منع الفصل التعسفي، وفرض شروط العمال أثناء توقيع عقود العمل، وحق التنظيم النقابي، الرعاية الصحية وتحسين شروط العمل. أما آثار الأزمة التي تزحف مثل الفطر في المجتمع الأمريكي، من ظروف الوباء وانكسار سلاسل التوريد والنقص في اليد العاملة، مضافاً إليها التراجع العام لحقوق غالبية الأمريكيين في الغذاء والتعليم والصحة والسكن والعمل والخدمات، تؤثر بمجموعها في الحركة الجنينية التي تنمو من الأسفل.
من أبرز خصائص هذه الحركة، كثرة التنظيمات النقابية وقدرتها على الحشد والتنظيم والإعلام، واتساع الحركة إلى مختلف القطاعات العمالية. ولكن مقتلها في التشظي الكبير الذي تعاني منه النقابات الرسمية والإصلاحية. فنقابة مثل نقابة عمال الاتصالات التي تدعو إلى السلطة العمالية عبر وسائل إعلامها وحملاتها الانتخابية لم تعِ بعد أنها لوحدها لن تستطيع تحقيق ذلك. وكذلك نقابة عمال أمازون التي تستطيع خوض الإضرابات في عشرين بلداً، ونقابة عمال الصلب والفولاذ التي تشمل عمال أمريكا وكندا وحركة الـ 15 دولاراً التي شملت عمال المطاعم والخدمات عام 2018 ونقابة عمال التعليم ونقابة سائقي الشاحنات، كل هؤلاء من المنظمات القوية، ولكن التشظي عن الحركة النقابية وشكل التنظيم العالمي لبعضها يمنعها من تحقيق شيء كبير حتى الآن رغم أهميتها.
من ناحية أخرى كانت الروابط العمالية ذات الطابع المحلي التي بدأت تظهر منذ احتجاجات 2020، ذات قدرة على تأثير محلي نسبي في العديد من الأمور. وإذا أضفنا إلى ذلك التصويتات العمالية الواسعة على تنظيم الإضرابات مثل تصويت هوليود وتصويت عمال الصحة الذي شارك فيهما أكثر من 100 ألف عامل، تجعل الأمريكيين يقفون أمام ظاهرة جديدة تنبع من الأسفل، وقد تكون الشكل الجنيني للمجالس العمالية التي تستغني عن النقابات الرسمية والإصلاحية وتتجاوزها، ذلك الشكل الذي تحدث عنه غرامشي خلال تحليله للحركة التورينية في إيطاليا قبل حوالي 100 عام.
وفوق كل هذه الأمور، تعاني هذه الحركة من ضعف كبير رغم القوة الكبيرة الظاهرة في الحركة العمالية الأمريكية منذ 3 أعوام: غياب حزب الطبقة العاملة. ويبدو أن الرأسماليين يعرفون أهمية ذلك جيداً، فرفعوا من شأن ما يمكن أن نسميه على سبيل التهكم: «حزب الرأسماليين الاشتراكيين». حيث تشهد أمريكا صعوداً للاشتراكيين الديمقراطيين وخطابهم الدونكيشوتي والمتناقض. أما الحزب الشيوعي الأمريكي فهو عبارة عن جماعة صغيرة تأثيرها ضئيل بفعل أمور عديدة. ومن ناحية أخرى تشهد المنظمات التابعة للأممية الرابعة التروتسكية نهوضاً واسعاً كما بدا من مؤتمرها الأخير، في لحظة كاريكاتورية نادرة لاستيقاظ هؤلاء في هذه اللحظة بالذات. بالإضافة إلى انتشار الحركات الفوضوية المسلحة، والتي بطريقة ما صارت تملك المصفحات!
نخرج بنتيجة من كل ذلك بأن الصفيح الأمريكي ما زال ساخناً ويزداد سخونة. وتتخوف وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى مما قد يحدث في عام 2022، فتحاول تمييعها عبر خلق أحزاب حمراء وهمية، وترمي بالنقابات المزيفة للعمال في محاولة كلاسيكية لوأد الحركة، ولكن الحركة تخلق أدواتها من الأسفل في التنظيم والإعلام وإن ما زالت في شكلها الجنيني، بل وتجبر في كثير من الأحيان تلك النقابات الإصلاحية على اتخاذ المواقف  التي لم تتخذها في السابق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1050