النقابات والإضراب
من خلال رصد مواقف النقابات اليوم من بعض القضايا العمالية، خصوصاً قضية الأجر العادل الذي يحقق الحياة الكريمة للعمال، نرى أنها تعيش في حالة من الجمود والعزلة عن العمال والمجتمع، فدورها غير فاعل، ويقتصر على بعض الأنشطة العمالية، بالتالي فهي غير مؤثرة في الحياة العامة، وهذا واضح من خلال الواقع الملموس، والمراقب عن قرب لتلك النقابات، يلاحظ بشكل واضح تلك المواقف المترددة، وغير المنسجمة مع تسمياتها الكبيرة والرنانة، ويمكن القول إنها مواقف مريبة، فهي متوافقة إلى هذا الحد أو ذاك مع السلطات التنفيذية، وتسير في مركبها.
إن موقع الطبقة العاملة في علاقات الإنتاج يمنح هذه الطبقة قوة اقتصادية هائلة، حيث تعد أهم عنصر من عناصر الإنتاج وبين أيديها إمكانية التحكم في عملية الإنتاج التي يقوم عليها المجتمع بأسره، الطبقة العاملة تستطيع وقف الإنتاج في ظل الاستغلال الواقع على كاهلها، وتستطيع إدارة العملية الإنتاجية الاجتماعية من خلال الثقل الاقتصادي للعمال والقدرة على التنظيم الذي يميز الطبقة إلا أن ذلك غير كاف، لكون الحركة النقابية لا تملك تلك الأدوات النضالية الجماعية، لذلك نجد هذا الفقر يتحول إلى يأس وخضوع وخندقه، وليس لمقاومة مصدر ذلك البؤس الذي يعاني منه العمال. استطاع العمال بمرحلة سابقة استخدام سلاح الإضراب عن العمل لإبراز ثقل الوزن الاقتصادي لهذه الطبقة، واليوم قد يظن البعض بأن عهد الطبقة العاملة قد ذهب إلى غير رجعة، وأنها كقوة اجتماعية واقتصادية أصبحت أقل أهمية وباتت تحت السيطرة.
اليوم أمام الطبقة العاملة العديد من الأسئلة الهامة التي هي بحاجة إلى أجوبة واضحة ومن أهمها هل هذه الحركة النقابية كانت موجة عرضية مرت بالمجتمع في مرحلة مضت وأن دورها قد ولّى؟ ولماذا لم تستطع الحركة العمالية والحركة النقابية مواجهة قوى الفساد الكبرى التي تستشرس يوماً بعد يوم؟ وأسئلة أخرى كثيرة حول الأدوات والأساليب والطرق الكفاحية التي تستخدمها هذه الحركة النقابية وما مدى نجاعتها. وما هي الطبقة العاملة؟ الطبقة العاملة مصطلح يتألف من قسمين الأول الطبقة وهي مجموعة من كبيرة من الناس تتشابه فيما بينها بمجموعة من الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتتميز بحسب موقعها من عملية الإنتاج الاجتماعي وعلاقتها بوسائل الإنتاج وطريقة حصولها على نصيبها أو حصتها من الثروة الاجتماعية وحجم هذه الحصة، أما وصف الطبقة بالعاملة أي طبقة العمال الذين لا يملكون وسائل الإنتاج وهم مضطرون لبيع قوة عملهم لمن يملك وسائل الإنتاج سواء قطاع دولة أم قطاع خاص مقابل أجر محدد من قبل صاحب العمل ولا تقتصر هذه الطبقة على عمال الإنتاج الصناعيين والزراعيين المنتجين للسلع، بل تضم هذه الطبقة في صفوفها شرائح مختلفة من العمال كالعمال في المؤسسات الخدمية المختلفة من عمال النقل وقطاع الكهرباء والبلديات والمشافي والمصارف والسلك التعليمي وغيرهم وكل هؤلاء العمال يعيشون تحت وطأة الاستغلال.
غير أن العمال في كل مرة تُغلّق فيها الأبواب وينعدم الأمل يأبون إلا أن يفتحوا تلك الأبواب ويحيون الأمل من جديد بعد فترة الركود الطويلة نسبياً للحركة العمالية، فكما أنه لا يمكن للإنسان أن يحيا بالخبز فقط، كذلك العمال لا يمكنهم أن يحققوا ظروفاً أحسن وواقعاً أفضل إلا بوسائل كفاحية تعبر عن رفضهم واستيائهم من هذا الواقع، بعيداً عن الأساليب البيروقراطية المتبعة الآن من كتب ومذكرات، التي تكون نهايتها الأدراج أو سلّات المهملات. في كراسها «الاضراب الجماهيري والنقابات» كتبت روزا لوكسمبورغ: «إن الحركة النقابية ليست ذلك الوهم الذي يعيش في مخيلة أقلّية ضئيلة من قادة النقابات، بل تلك الحقيقة التي تعيش في وعي العمال الذين تم كسبهم للصراع الطبقي، والحركة النقابية هي جزء من هذا الوعي». لذلك على الطبقة العاملة أن تحصل على الإضراب بنفسها ولنفسها فالإضراب مدرسة النضال الأساسية التي يتعلم فيها العمال والحركة النقابية كيف يحصلون على حقوقهم، وعلى الحركة النقابية أن تفتح عيون العمال على أهميته فمن خلال الإضراب يتعلم العمّال أن يتحدوا فهم لا يمكنهم أن يحصلوا على حقوقهم إذا لم يكونوا متّحدين والإضراب واحد من الوسائل الأهم التي تكافح وتناضل بها الطبقة العاملة من أجل تحسين ظروف وشروط عملها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1036