زيادة أم سلب
قيمة قوة العمل شأنها كشأن أية بضاعة أخرى بشكل عام لكنها تختلف بعرضها في سوق العمل حسب العرض والطلب، لكن لا يجوز أن تنخفض عن معدل حد متوسط للمعيشة وهذا الحد عادة متغير حسب الظروف المعيشية ومتطلباتها في كل بلد، وقيمة قوة العمل ليست مقولة عرضية فجذورها موجودة في علاقات الإنتاج لكنها لا تكون واضحة دائماً، حيث لا يزال الحد الفاصل بين العمل بمقابل والعمل دون مقابل مغموراَ أو ضائعاَ بصيغة العقد المبرم بين العامل ورب العمل، ويحدد بشكل أجر محدد مقابل ساعات عمل محددة وتظهر كأنها مدفوعة الأجر كاملاً. وبهذا تقوم حكومات رأس المال بتحويل قيمة العمل إلى شكل وهمي كأجر ويتم دفع الأجر بعد إنجاز العمل، إذاً، المحدد الأساسي لقيمة قوة العمل هو مستوى متطلبات المعيشية الناتجة عن الظروف الاجتماعية التي يعيشها العمال والتي نشأوا في ظلها.
أما العمال في صراعهم من أجل الأجور من خلال النقابات التي تهدف إلى الحيلولة دون انخفاض هذه الأجور إلى مستوى أدنى من قيمتها، لذلك التنظيم والنضال النقابي ضروريان حتى لا يجد العامل نفسه مجبوراً على قبول أجر متدن بغض النظر عن العلاقة العامة بين العرض والطلب، وهذا الصراع مرتبط بقدرة التنظيم النقابي «الحركة النقابية» على معرفة هذه العلاقة بين الأجر وقيمة قوة العمل إضافة إلى قدرتها على توحيد صفوف العمال واستخدامها لأدواتها النضالية الفعالة لتكون قوة حقيقية قادرة على أن تفرض شروطها في تحسين شروط العمل من أجر معادل لمستوى المعيشة وغيره من الحقوق المسلوبة. ارتفعت معدلات التضخم في البلاد، ولكن رواتب العاملين لم تزد بما يتناسب مع الارتفاع الفلكي في الأسعار. وبعد مرور عقد على الأزمة الوطنية، ساءت في السنوات الأخيرة الأوضاع الاقتصادية لكافة العاملين في ظل الارتفاع الكبير المستمر في تكاليف المعيشة الذي لم تواكبه أية زيادة مجزية في الرواتب والأجور، لكن ومن جهة أخرى زادت أيضاً ثروات قوى الفساد والنهب، كما انخفض النمو الاقتصادي، وارتفعت معدلات البطالة، أي لم يجن الثمار إلا الصفوة من أمراء الحرب والنهب، إذاً انخفاض نصيب العامل من الدخل القومي، يدل على أن قوى النهب والفساد الكبير أصبحت تستأثر بالثروة الوطنية والأرباح بدلاً من توزيعها على العمال. لقد أطلقت الحكومات المتتالية منذ تبني اقتصاد السوق لقوى الفساد والنهب العنان لتجميع أكبر قدر من الثروات والأرباح دون أن تتعرض لأية مساءلة. وصيغت القوانين وأنظمة الرواتب لتقييد حقوق العمال، من خلال هذه الأنظمة وتقويض سلطة الدولة مما أدى إلى إطلاق يد هذه القوى لتتصرف كيفما تشاء في مصير العباد والبلاد، ولجأت الحكومة بالتواطؤ مع النقابات إلى إسكات العمال بأشياء معدومة القيمة، مثل زيادة متتمات الراتب، وغيرها من أشكال المديح التي لا تغني عن الأجر المناسب الذي يضمن للعامل حياة كريمة. ومع ما يسمى الزيادة الأخيرة للأجور يتسأل العمال لماذا لا تزيد رواتبنا مقارنة بالارتفاع الجنوني في الأسعار؟ وهل هذه زيادة حقاً أم سلب أجزاء أخرى من أجورنا التي هي بالأصل وضعتنا تحت خط الفقر العالمي وأصبت بلادنا في أسفل السلم ضمن تصنيف البلدان الأفقر في العالم، لا بل ربما حتى خارج التصنيف العالمي.
ويزخر التاريخ بنماذج عديدة من أشكال نضالات الحركة النقابية والعمال من أجل تأمين مستوى لائق من المعيشة لجميع العاملين، فهل الحركة النقابية اليوم قادرة على التحرك الجدي بأي شكل من أشكال الاحتجاج من أجل أن يحصل العامل على أجر مناسب يلبي احتياجاته المعيشية،ويقول المثل الشعبي لقد بلغ السيل الزبى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1027