حقوق على ورق!؟
يُعد الدستور القانون الأسمى في الدولة، ووفق مبدأ سمو الدستور على جميع القوانين، أن تكون متوافقة مع الدستور نصاً وروحاً، وفي حالة تعديل الدستور تبقى بعض القوانين سارية المفعول إذا كانت لا تتعارض مع الدستور الجديد، أو لا تخالف أحكامه، أو تبقى هذه القوانين دستورية حتى يتم تعديلها، أو تنص الدساتير عادة على مدة معينة يجب خلالها تعديل القوانين بما يتوافق والدستور الجديد.
مهلة ثلاث سنوات!
الدستور الجديد الصادر في سورية عام 2012 نص في المادة الثالثة والخمسين بعد المائة على أنه: (تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إقرار هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تُعدل بما يتوافق مع أحكامه، على أن يتم التعديل خلال مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات ميلادية)، ولكن ومع مرور ثلاث سنوات على انتهاء المهلة الدستورية، لم يتم لغاية الآن تعديل أية قوانين، بل على العكس عُمِل على إصدار قوانين جديدة تخالف الدستور، ولا سيما قانون التشاركية، حتى التصرفات والقرارات الحكومية باتت تخالف الدستور، وخصوصاً ما يتعلق منها بمستوى معيشة المواطن والأجور والعدالة الاجتماعية.
قوانين غير دستورية؟
جاء الدستور الجديد بتغيير جذري خاصة في المادة الثامنة منه، وبالتالي باتت جميع القوانين التي صدرت بناء على هذه المادة باطلة دستورياً وبحاجة إلى تغيير بما يتوافق والمادة الثامنة الجديدة.
ومن هذه القوانين الهامة التي صدرت بناء على المادة الثامنة من الدستور القديم، قانون التنظيم النقابي رقم 84 الصادر عام 1968وخاصة أن هذا القانون لم يصدر بناء على أحكام الدستور، بل صدر بناء على أحكام القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي رقم 2 لعام 1966 وقرار مجلس الوزراء رقم 84 لعام 1968.
كما أن الأسباب الموجبة التي، وردت في متن القانون، والتي تعد مقدمة له باتت أيضاً غير دستورية، ويجب أن يتم تغييرها بما يتلاءم والدستور الجديد الصادر عام 2012 خاصة المادة الثامنة، وأن يتم إصدار قانون نقابي جديد بناء على أحكام الدستور، متضمناً حق الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي في استقلالية قرارهما فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة بكل الطرق والأشكال السلمية، التي نصت عليها مواد عدة من الدستور.
الانتخاب داخل النقابات
أيضاً، باتت طريقة الانتخاب داخل النقابات بطريقة القائمة المغلقة يشوبها عيب عدم المشروعية، وجزاؤها البطلان لمخالفتها الواضحة والصريحة للدستور الجديد، ويجب أن يحصل الانتخاب وفق الطرق الدستورية والقانونية الجديدة حسب المادة الثامنة من الدستور، والتي نصت على التعددية السياسية وممارسة السلطة بالطرق الديمقراطية عبر الاقتراع.
تجريم الإضراب؟!
كما أن قوانين العمل المعمول بها حالياً، وقوانين العقوبات التي تجرّم الإضراب في القطاعين العام والخاص، والتي يُواجه بها العمال، باتت أيضاً غير دستورية وتفتقد لأدنى درجات المشروعية، لاعتبارها الإضراب جنحة، حيث نص الدستور الجديد بشكل صريح وواضح على حق الطبقة العاملة بممارسة حق التظاهر السلمي والإضراب عن العمل في المادة الرابعة والأربعين.
ضمان استقلالية النقابات
كما أن هناك بعض النصوص في قانون العقوبات، والتي تسمح بحل أو وقف أية نقابة أو جمعية عن ممارسة عملها، وذلك حسب المادة 108 من قانون العقوبات، والتي نصت على أنه يمكن وقف كل نقابة أو شركة أو جمعية وكل هيئة اعتبارية عن العمل....) وهنا مثل هذا المواد باتت لا تتمتع بالشرعية القانونية والدستورية، فالمجالس المنتخبة عادة لا يمكن حلها أو وقفها عن العمل، لأنها هيئات منتخبة، وليست معينة تعييناً من قبل السلطة، وهي تستمد شرعيتها من قبل ناخبيها ويضمن لها الدستور التمتع باستقلالية بدلالة المادة العاشرة منه.
الدستور الجديد جاء بالعديد من الحقوق للطبقة العاملة، واعترف لها بحقها الكامل في ممارسة كافة الأساليب النضالية السلمية للدفاع عن حقوقها، ونص على حقوق العمال في عيش كريم وأجور تناسب الأسعار، وألزم الحكومة باتباع سياسة اقتصادية تؤمن العدالة الاجتماعية، وتحافظ على القطاع العام، وأن تديره وفق مصالح الشعب السوري، ولكن كل هذه الحقوق ما زالت حبراً على ورق، ويستمر يوماً بعد يوم تجاهل الحكومة للدستور واعتباره كأنه لم يكن، وهو ما يجعل جميع تصرفاتها وقوانينها معرضة للطعن، بعيب عدم المشروعية، وبالتالي إلغاؤها واعتبارها كأنها لم تكن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1020