حوادث العمل في مصر... دلالات ومؤشرات!
مركز أبحاث ودراسات الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي «بتصرف» مركز أبحاث ودراسات الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي «بتصرف»

حوادث العمل في مصر... دلالات ومؤشرات!

تشكل الحوادث التي تطال العاملين في بيئة العمل مرآة تعكس سِمات سوق العمل، من بينها: إهمال اشتراطات الصحة والسلامة المهنية، وارتفاع معدلات البطالة، والتي تُفرض على جزء من قوة العمل، والتي تزداد سنوياً، والقبول بأعمال خطرة تفتقد الأمان المهني والصحي والاجتماعي.

حوادث العمل في مصر... دلالات ومؤشرات!

كما يشير تكرار حوادث العمل في جانب منه إلى تخلف البنى الاقتصادية، سواء من حيث طبيعة القطاعات النشطة، كأعمال البناء والتشييد، وانخفاض الطلب بالقطاعات الإنتاجية المتطورة، وذات الضوابط المؤسسية التي تراعي حداً أدنى من الضوابط والاشتراطات الصحية، غير أن انخفاض الطلب على العمل بشكل عام، يعني: التسابق للحصول على فرصة عمل، حتى ولو احتوت على مخاطر صحية.
ويزداد الأمر صعوبة لفئات واسعة من العمال الذين لا يملكون مهارات تنافسية، وهؤلاء ينضمون لأية قطاعات تتصف بالخطورة، ويقبلون ظروف عملٍ مجحفةٍ في أغلب الأحيان.
وتعتمد العديد من القطاعات الإنتاجية على المجهود البدني، كقطاعات التحجير والبناء والمناجم ومعظم الصناعات التحويلية التي ترتفع فيها نسب الإصابة، وتُصنف عالمياً بالأكثر خطورة من حيث إصابات العمل.
وتزداد احتمالات الإصابات في بيئة العمل مع توسّع العمالة في القطاعات الخطرة، وغياب الرقابة والمتابعة لاشتراطات الصحة والسلامة المهنية، خاصة في القطاع الخاص، والذي يشمل مؤسسات بعيدة عن الرقابة، ويدار بعضها بشكل عشوائي ومتخلف تقنياً.
وأظهرت الحوادث الأخيرة في مصر، ومن بينها حريق مصنعين في مدينة العبور في القاهرة الكبرى، والذي أسفر عن وفاة أكثر من 20 عاملاً، غير المصابين، قسوة ظروف العمل والمخاطر التي يعاني منها العمال، وسبقت هذه الواقعة حادثة سقوط منجم أسوان، جنوب البلاد، والتي تسببت في وفاة 40 عاملاً، وسبقتها أيضاً حوادث مروعة، منها حادثتا مصنعي إسمنت أسوان وكيما.
وتترجم حوادث العمل- في مصر أيضاً- موازين القوة بين أطرافها الثلاثة، العمال ورؤوس الأموال والهيئات الرسمية المنظمة لقواعد العمل، والتي هي جزء من بنية الدولة، ويفترض أن تراقب سياسات الصحة والسلامة المهنية، وتضع شروط استيفائها بشكل دوري.
تُظهر الحوادث الكارثية المؤلمة جانباً من واقع الطبقة العاملة المصرية، وما تعانيه من مشكلات نتيجة ضعف تنظيمها، والإهمال الذي يقابلها، سواء كان رسمياً من الهيئات المعنية بأحوال العمال، كالقوى العاملة ووزارة الصناعة، وتشتبك معها أدوار غائبة لهيئات كالإدارة المحلية لتحسين بيئة العمل أو أدوار لاحقة. إذا لحقت بأماكن العمل مشكلات ضخمة، كالحرائق أو التلوث والانفجارات وما تحمله من آثار تتجاوز محيط العمل أيضاً.
عملياً، تكشف حوادث العمل موقف الدولة من أصحاب العمل، وما يشوب عمليات الرقابة من تكاسل، مما يديم حالات عدم المطابقة، وأحياناً الفساد والتواطؤ معه.
ومن بين ما تكشفه الحوادث، واقع العمال وافتقادهم للتأمين الاجتماعي والصحي، وهي سِمة تلحق بمعظم مؤسسات القطاع الخاص، وحتى وإن كان قانون العمل 12 لسنة 2003 يتضمن مواد عدة تخص الصحة والسلامة المهنية، فإن تطبيقها رهن اعتبارات يصعب تطبيقها، كذلك لا تتناسب عقوبات المخالفات مع حجم الضرر الذي يتعرض له العمال في أغلب الأوقات.
المادة 256 تقر غرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تتجاوز 10 آلاف جنيه في حال الوفاة أو الإصابة الجسيمة. وحتى هذه النصوص وغيرها من تشريعات قانونية لا تترجم إلى قواعد حاكمة، إلا في ظل حالة توازن قوى تسمح بذلك.
وتناول تقرير إصابات العمل خلال 2018 ما يقل عن 10 آلاف منشأة، وهو عدد هزيل بالنسبة للمنشآت الإنتاجية والصناعية في القطاعين العام والخاص وقطاع الأعمال، والتي تظهرها بيانات التعداد الاقتصادي الخامس. ورغم ضآلة عدد المنشآت التي تم رصد الحوادث فيها، فإن حالات الإصابة بلغت عام 2018 ما يزيد عن 14 ألف حالة إصابة.
ولا تتوقف في كل الأحوال الخسائر على عمال المنشآت الذين يصابون، لكن هناك كلفة تخسرها الدولة بشكل مباشر فيما يتعلق بساعات العمل والإنتاج، عدا التكاليف غير المباشرة والمتعلقة بمصاريف وبنود الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية، وحتى وإن كانت الإعانات والتعويضات متواضعة.
وتشير منظمة العمل الدولية إلى موت 2,78 مليون شخص بسبب وظائفهم، وتعرض 374 مليون شخص للإصابة أو المرض في حوادث مرتبطة بالعمل. وتقدر المنظمة الخسائر الاقتصادية المتعلقة بساعات العمل بنحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتصل في بعض البلدان إلى 6%.
وإن كانت الدولة وأصحاب العمل لهما أدوار ومسؤولية أساسية في تأمين بيئة العمل، فإن لسلوك العمال- أو ما يسمى بثقافة الصحة المهنية، والتي تتشكل عبر التوعية والتدريب والتأهيل- دوراً هاماً في الحفاظ على سلامتهم، والأدوار الثلاثة حائط ضمن عملية الحماية، للحد من الخسائر البشرية والاقتصادية التي تلحق بالاقتصاد والدخل القومي كمحصلة نهائية، بما فيها كلفة الإصابات والعجز عن العمل وآثارها المتسلسلة اجتماعياً واقتصادياً على الأسر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1020