التغيير الجذري للعمل النقابي

التغيير الجذري للعمل النقابي

سؤال يتبادر إلى أذهان الكثير من العمال والمهتمين بالحركة النقابية وتطورها في خدمة من تمثلهم من كافة شرائح العمال، بعد ما آلت إليه البلاد من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبالأخص منها أوضاع العمال الاقتصادية والمعيشية اليومية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم: هل الحركة النقابية اليوم تملك تلك الإمكانات اللازمة والضرورية لتكون الممثل الحقيقي لكل العمال السوريين في القطاع الخاص المنظم منه وغير المنظم وقطاع الدولة على حد سواء؟

وهل تعمل أو تستطيع ممارسة الضغط المطلوب على الحكومة، وعلى سياساتها الاقتصادية البعيدة كل البعد عن مصالح البلاد والعباد، وخصوصاً العمال منهم بعد هذه السنين العشر من الأزمة الوطنية؟ وبمعنى آخر: هل يمكن أن يكون لها دور فاعل في لجم هذه السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة المحابية لقوى الفساد الكبير والنهب، والمعادية لمصالح العمال والكادحين الفقراء منذ ما قبل انفجار هذه الأزمة؟
هل تمارس الحركة النقابية رقابتها الشعبية من أجل حماية حقوق ومصالح العمال متسلحة بأدواتها النضالية المعروفة المقرة في الشرائع الدولية والدستور، بعيداً عن المهادنة ودور الوساطة بين العمال وكافة أرباب العمل بما فيها الدولة؟ لقد نصّت المادة العاشرة من الدستور «المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات، هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها، وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية، ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين، وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها، ووفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون». وربما السؤال الأهم: هل الحركة النقابية مستقلة استقلالاً ناجزاً بعيداً عن أجهزة السلطة التنفيذية تستطيع من خلاله أن تدافع عن مصالح الطبقة العاملة التي تمثلها؟
نحن نقول: إن الحركة النقابية قوة لا يمكن الاستهانة بها وبإمكاناتها، وخاصة عندما تزداد صلابة في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ومطالبها، وعلى رأسها حقوق العمال المتعلقة برفع مستوى حياتهم ومعيشتهم بما يوازي متطلبات الحياة الكريمة للعمال. وفي المقدمة منها: رفع الأجور لمستوى متوسط المعيشة، واجتثاث الفساد الكبير والنهب والغلاء، وهذه أيضاً ليست قضية العمال وحركتهم النقابية فحسب، بل هي قضية وطنية كبرى بامتياز. ولا يجوز للحركة النقابية أن تهادن بها أو تؤجلها اليوم، وما نشهده اليوم من ارتفاع في تكاليف المعيشة اليومية، والتلاعب بأسعار سعر الصرف لليرة السورية مقابل العملات الأخرى، يثبت لنا يوماَ بعد يوم أن قوى الفساد والنهب الكبير لا تفكر إلّا بأن تزداد أرباحها من سرقة ونهب كافة العاملين بأجر، ونهب ما تستطيع نهبه من ثروات البلاد، بما فيها أحلام العمال والفقراء كافة. لكن الهاجس اليوم، هل ستعود تلك الروح الكفاحية والنضالية الصلبة للنقابات والتي تعبر بشكل حقيقي عن مصالح وحقوق الطبقة العاملة؟ لقد وصلت الطبقة العاملة اليوم إلى أسوأ حال على كل المستويات والصعد، وهذا يتطلب من الحركة النقابية وقفة حازمة وصوتاً عالياً لتغير هذه الأوضاع بشكل جذري. إذاً: على الحركة العمالية اليوم وضع إستراتيجيات عمل نقابي كفاحي، وهذا لن يحصل أيضاً إلّا من خلال تغيّر جذري لهذا الإيقاع البيروقراطي، الذي تعمل من خلاله هذه النقابات، فهي بحاجة إلى تغيّر جذري في إستراتيجية العمل النقابي بكامله، وبكافة جوانبه التي يجب أن تبنى على مستوى عالٍ، بدءاً من الاستقلالية للحركة النقابية، والقناعة التامة بأهمية العمل النقابي الكبرى وضرورة تقويته باعتباره سلاحاً في يد العمال للدفاع عن حقوقهم ومواجهة الاعتداء على مكاسبهم. وبناء موازين قوة جديدة تجعل المفاوضات والحوارات مع الحركة النقابية ذات مغزىً، وتمكّن من فرض تراجع الدولة عن سياساتها هذه، وبهذا ستتمكن الحركة النقابية من استعادة القوة لصفوفها.
أما قوى الفساد والنهب الكبيرة وجهاز دولتهم، يدركون أهمية الحركة النقابية، ويولون جهوداً كبيرة لمنعها من ممارسة دورها المناط بها، ويسعون إلى تشجيع التشتت النقابي وضرب صفوفه، ويعملون على تجميد الأجور وضرب الخدمات العامة من تعليم وصحة وغيرها، ورفع أسعار المحروقات المختلفة من مازوت وبنزين وفيول وغاز والدخول في دوامة غلاء مستمرة، وفي الوقت نفسه تُعطى التشجيعات والمساعدات لكبار الفاسدين والناهبين وغيرهم من سماسرة الرّيع، وتفقير المفقرين أكثر فأكثر، وزيادة عدد المهمشين ونسبة البطالة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1013