تجميد الأجور أسس للانهيار
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

تجميد الأجور أسس للانهيار

سياسة تجميد الأجور التي تنتهجها الحكومات تعبر عن سياساتها الليبرالية الاقتصادية التي دمرت العمل والإنتاج معاً، فالعلاقة بين الإنتاج والاستهلاك علاقة مترابطة جداً ومتشابكة، ومن يحدد تجميد الأجور يقصد حصر المال والثروة في أيدي قلة قليلة، ويحرم الغالبية من الثروة في أبشع توزيع للثروة، وبشكل لا إنساني، حيث لا نرى مثل هذه التوزيع الظالم للثروة في أكثر البلدان رأسمالية. 

انعكاس تجميد الأجور على الإنتاج

العديد من الحرفيين والتجار وأصحاب المحلات التجارية باتوا يشتكون من قلة البيع، وبات ضعف الاستهلاك لدى المواطنين عاملاً من عوامل العزوف عن الإنتاج، أو الإنتاج بمواصفات رديئة لتتوافق التكلفة مع سعر المبيع إلى حدٍ ما، لتأمين سلعة يستطيع المواطن أن يقتنيها على أقل تقدير، بعدما اقتصر شراء المواطن على حاجاته الأساسية الضرورية فقط.

وخاصة مع حصر الاستيراد المواد الأولية بأيدي قلة فقط، تتحكم بأسعارها وتفرض شروطها على المنتجين، حتى باتت غالبية المهنين وأصحاب الحرف يعملون بلا ربح ولا يؤمنون سوى معيشتهم فقط، نتيجة انخفاض الطلب على منتوجاتهم وبشكل حاد من جهة، وارتفاع تكاليف تصنيعها من جهة أخرى.
وبات الإقدام على افتتاح أي مشروع تجاري أو صناعي بمثابة مغامرة معروفة النتائج مسبقاً وهي: الخسارة والفشل، وهذا بحد ذاته أدى إلى العزوف عن الاستثمار نتيجة لانعدام أدنى شروط نجاحه.

رفع الدعم يعني تخفيض الأجور

كان الدعم الحكومي في القرن الماضي يعتبر تعويضاً عينياً مساعداً للرواتب والأجور، ولكن مع بدء الألفية الجديدة وانتهاج الليبرالية الاقتصادية، وتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي ببدء رفع الدعم عن المواطن، وهو ما يعنيه تخفيض حصته من الثروة الوطنية، وتآكل في أجوره، واستمر رفع الدعم عن المواطن وفي جميع المجالات بدءاً من الخبز، وليس انتهاء بالمحروقات ومع الاستمرار في الارتفاع اليومي لأسعار جميع السلع، وخاصة المواد الغذائية والخضار والفواكه، وأيضاً مع إعادة التصدير إلى دول الخليج، الذي تسبب في فقدان بعض المواد وارتفاع أسعارها أضعافاً مضاعفة.

ووصلت الحال إلى درجة أنه بات الاعتماد على العمل غير كاف بتاتاً لتلبية متطلبات المعيشة وباتت الأجور المنخفضة معرقلة للإنتاج والعمل معاً، فالفكرة التي تراود الكثيرين اليوم ما فائدة العمل إذا كان لا يؤمن لنا أدنى متطلباتنا المعيشية كبشر نحتاج للطعام لتعويض قوة عملنا؟ كل هذا دفع الكثير من العمال السوريين للبحث عن الهجرة بسبب هذه الظروف، وبات أغلب السوريين يعتمدون على الحوالات الخارجية من أقربائهم في الخارج، علها تسد عنهم بعض المصاريف، وخاصة تكاليف النزوح من دفع للإيجارات المرتفعة، ويعتمدون في معيشتهم على المساعدات العينية الدولية التي يتم توزيعها عبر منظمات الأمم المتحدة.

وفقدت مائدة السوريين وخاصة الطبقة العاملة الكثير من الأغذية الأساسية، بدءاً من اللحم الأحمر والفروج والبيض وزيت الزيتون والأجبان وبات الاعتماد على ما تؤمنه المساعدات الدولية من البرغل والرز والعدس فقط، مع فشل حكومي في تأمين ربطة الخبز للسوريين حتى ورفع سعرها وإنتاجها بأسوأ المواصفات.

المعيشة على الدولار والأجور على الله

اذا كانت الحكومة تعلم بتكاليف الإنتاج وتسمح للتجار بمعادلتها بسعر الدولار في السوق فهي أبقت على رواتب وأجور السوريين دون الحد الأدنى المحدد في الأمم المتحدة لخط الفقر، وهذه السياسات أدت إلى تراكم مليارات الدولارات في جيوب قلة قليلة من التجار مع ازدياد حجم الفقر والحاجة لدى غالبية الشعب السوري، الذي وصل إلى مجاعة حقيقية، وهذا ما سيؤدي إلى توقفٍ اقتصادي كامل في البلاد.

الانهيار ليس جديداً

إذا كان الانهيار في الرواتب والأجور والإنتاج نتيجة لانفجار الأزمة التي تمر بها البلاد منذ عام 2011 كما تدعي الحكومة، فهنا يبرز التساؤل التالي: 10 سنوات ولم تستطع الحكومة إيجاد حل اقتصادي لمشاكل السوريين الاقتصادية، فماذا كانت تفعل الحكومات السورية المتعاقبة؟ وهل أتت عقوبات قانون قيصر بمثابة شماعة للحكومة تعلق عليها فشلها في انتشال شعبها من الجوع!؟ أم أن ما نعانيه اليوم هو نتيجة للسياسات الليبرالية التي انتهجت منذ خمسة عشر عاماً وما زالت الحكومة مصرة على صوابية سياساتها.

وإذا كانت أزمة المصارف اللبنانية هي سبب سرعة الانهيار الاقتصادي الذي حدث خلال العام المنصرم، نتيجة إيداع التجار والمستثمرين أموالهم في البنوك اللبنانية، فالسؤال الذي يطرح هنا: أية سياسات أدت إلى تراكم تلك الأموال؟ وكيف تم تهربيها خارج البلاد في وضع يعاني فيه %90 من السوريين من جوع وحرب وقصف ودمار ونزوح؟ أم أنها ثمن دماء السوريين التي سالت خلال السنوات السابقة؟

ومع كل هذا لا تزال الحكومة تجد في جيوب الفقراء مصدراً لتعويض فاتورة فسادها، فكل يوم تطل علينا الحكومة بقرار رفع أسعارٍ، أو فرض ضرائب جديدة، أو ابتداع وسائل جديدة لجني أموال من الشعب، وكل هذا تحت مسميات إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتحصيل حقوقها، وكأنه فرض على الشعب إعادة تجميع مليارات الدولارات التي تبخرت في المصارف اللبنانية.

لا دستورية لسياسات الحكومة

كل هذا يجري وكأن هذه البلاد لا يوجد فيها لا قانون ولا دستور حدد السياسات الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض، وهذا الدستور جاء نتيجة للحراك الشعبي الذي انطلق عام 2011 وجاء ليعالج ما دمرته السياسات الليبرالية منذ مطلع الألفية، ولكن على ما يبدو أن الفاسدين، يديرون البلاد بطريقة تبدو أقرب ما يكون إلى الأملاك الخاصة لهم.

الحل في أيدينا نحن العمال

طبعا نحن لا نتأمل من هذه الحكومة أن تقدم على أية حلول إنقاذية، وهي غير قادرة على ذلك أساساً، فهي إلى الآن ما تزال تعلن أنها سياساتها صحيحة، وتلقي باللوم على العوامل الخارجية فقط دون الاعتراف بهزيمة برنامجها الليبرالي، وكلامنا ليس موجهاً لها، بل موجه لجميع السوريين من عمال وفلاحين، ويبقى أملنا في توحيد صفوف الطبقة العاملة وإجماعها على برنامج يؤمن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، ولتكون لها كلمة في الاستحقاقات المقبلة، وخاصة في الحل السياسي، وبغير ذلك سيبقى الفاسدون مهما تغيرت انتماءاتهم يتحكمون بلقمة الشعب السوري.

معلومات إضافية

العدد رقم:
999
آخر تعديل على الإثنين, 04 كانون2/يناير 2021 02:46