ميثاق أثينا /2/

ميثاق أثينا /2/

تنشر «قاسيون» القسم الثاني من ميثاق أثينا الذي يحدد بشكل واضح انعكاس الأزمة الرأسمالية على مصالح وحقوق العمال، ويوضح بشكل خاص طرق المجابهة مع القوى الرأسمالية، وأن لدى الطبقة العاملة فرصة تاريخية للخلاص من وحش الرأسمالية عبر وحدة الطبقة العاملة وتصعيد نضالها في مواجهة العدو الإمبريالي بكافة الأشكال الكفاحية، وهذا هو طريق الخلاص على طريق تعميق أزمة الرأسمالية وصولاً إلى الإطاحة بها نهائياً.

في الفصل الثاني من الميثاق، والذي جاء تحت عنوان مشاكل العمل الحادة، تحدث عن العديد من القضايا المهمة التي يعاني منها البشر، وبالأخص الطبقة العاملة، وضرورة العمل والكفاح لمعالجتها من قبل النقابات العمالية والتي منها مشكلة البطالة، وهي المشكلة الأكبر التي تعاني منها الطبقة العاملة على مستوى العالم. فهي ما زالت تتسع وتتضخم نسبها، وخاصة من أواخر القرن الماضي بشكل مستمر، رغم إخفاء العديد من الدول السجلات الحقيقية لهذه النسب في بلدانها كما يحصل في بلادنا، فالبطالة هي ظاهرة متأصلة في الرأسمالية كما عبر عنها الميثاق في الفصل الأول منه.

يؤكد الميثاق: أنه من واجب النقابات مطالبة الحكومات بدعم العاطلين عن العمل وخاصة الشباب، وتقديم الدعم الكافي لكبار السن من خلال تأمين طبي كافٍ لكل العاطلين عن العمل. فالبطالة لا يمكن أن تنخفض إلّا بتأمين الاستثمارات للعمل الحي.

علاقات العمل

منذ تسعينات القرن الماضي بدأ استبدال الوظيفة الدائمة بالوظيفة الجزئية أو المؤقتة، واستبدال ساعات العمل المنتظمة بالعمل طول اليوم دون إضافي، وربط المكافآت أو الحوافز بمعدل إنتاج العامل الذي تم رفعه إلى حدود أعلى من طاقة العمال، كما كان ذلك في العصور الوسطى، وأجبر العمال على العمل لعدة شهور دون أجر، وخاصة المهاجرين واللاجئين منهم. ويناضل الاتحاد العالمي لنقابات العمال لتأمين عمل كامل ودائم ومستقر، ويطالب بـ 35 ساعة عمل في الأسبوع بمعدل سبع ساعات عمل يومياً وعطلة يومين بأجر أفضل، ورواتب كافية.

الاتفاقات الجماعية

تحدث الميثاق انه هناك العديد من الدول ليس لديها اتفاقيات مفاوضة جماعية كما هو واضح في بلادنا، وهناك دول أخرى لديها اتفاقيات جماعية، ولكنها لا تطبق من قبل الحكومات وأصحاب العمل، وتقدم للعمال أجوراً منخفضة لا تتناسب مع الواقع المعاشي، ويؤكد الميثاق: أن «اتفاقيات العمل الجماعية هي مطلب أولي، وأساس وجوهري، لبعض من حاجات العمال لكي يعيدوا إنتاج قوتهم العاملة، نحن نعارض الاتفاقيات الفردية، ونعمل لنلغي اتفاقيات الاستغلال» الاتحاد العالمي لنقابات العمال يقوم بدعم الاتفاقات الجماعية من خلال المفاوضات الجماعية الحرة، فعلى النقابات المحلية في البلدان أن تعمل على تحديد ساعات العمل، والحد الأدنى للأجور والرواتب، وأن تكون محددة ضمن اتفاقية العمل الجماعية. «إن كل عامل بمفرده هو أضعف في مقاومة استغلال رب العمل، من ناحية أخرى عندما يتوصل العمال إلى اتفاقية بشكل جماعي يكونون أقوى».

الضمان الاجتماعي

يعتبر الضمان الاجتماعي من المطالب الأكثر أهمية والتي تحققت للطبقة العاملة من خلال نضالاتها المستمرة في العديد من البلدان، خلال القرنين التاسع عشر حتى أواخر القرن العشرين.

ففي تسعينات القرن الماضي قام الرأسمال بهجومه المضاد الكبير على حقوق ومكاسب الضمان الاجتماعي للطبقة العاملة، حيث أصبحت الصحة سلعة، والأدوية ازداد غلاؤها، وقام برفع سن التقاعد وتخفيض الرواتب التقاعدية من خلال خفض القدرة الشرائية لهذه الرواتب، وازدادت الضرائب على الناس، كما في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها من الدول المختلفة، وفي بلادنا يتم تهريب العمال من مظلة التأمينات الاجتماعية أو تسجيلهم بخلاف رواتبهم الحقيقية، والتي هي أيضاً دون الحد الأدنى للمعيشة.

مع التقدم السريع للعلم والتكنولوجيا، الاتحاد العالمي لنقابات العمال يطالب بوجود نظام ضمان اجتماعي عام إلزامي في كل بلد، تضمن فيه رعاية طبية مجانية، خفض سن التقاعد وزيادة الرواتب التقاعدية حتى يستطيع العمال العيش بكرامة بعد تقاعدهم. ومن جهة التعليم يؤكد الميثاق: أنه «من الضروري أن تفرض الطبقة العاملة تعليماً عاماً إلزامياً مجانياً ونوعياً، وفقاً لحاجات الشعب والطبقة العاملة».

الخصخصة

العديد من البلدان تقوم بعمليات الخصخصة لقطاعات مهمة وأساسية لقطاع الدولة تحت يافطات عدة، حيث من خلال الخصخصة يتم نهب الثروة المنتجة ومصادرها في البلاد، وتسيطر عليها قوى النهب والفساد الكبير، ويفقد العمال حقوقهم الاجتماعية والمعيشية والقانونية، ويؤكد الاتحاد العالمي لنقابات العمال من خلال هذا الميثاق: أن «القطاعات الإستراتيجية للاقتصاد الوطني، مثل: الطاقة، والاتصالات والصحة، التعليم، النقل... وغيرها من القطاعات السيادية يجب أن تكون للحكومة، وليست لشركات خاصة أو أفراد، ويجب أن تعمل الدولة وفقاً لحاجات الناس». فالخصخصة تزيد من نسب البطالة، وتؤدي إلى تركيز الاستغلال على حساب مصالح العمال لتحقق أرباحاً لصوصية لهذه الشركات أو الأفراد.

الصحة والسلامة المهنية

بحسب وثائق منظمة العمل الدولية، يفقد كل عام أكثر من مليوني عامل حياتهم لأسباب تتعلق بالعمل، وسجلت وثائقها ما يزيد عن 270 مليون حادثة عمل سنوياً، وما يزال عدد الوفيات نتيجة الأمراض المهنية وعدد المعوقين بازدياد مستمر. ويعود ذلك لعدم اتخاذ أرباب العمل والحكومات الإجراءات الضرورية واللازمة للأمن الصناعي، الصحية والمهنية في أماكن العمل بغية المزيد من الأرباح والاستغلال للعمال. ويطالب الميثاق بضرورة إيجاد نظام صحي عام عالمي نوعي ومجاني في كل بلد يلبي كامل حاجات الناس.

حريات حقوق اتحاد العمال
نوه الميثاق أنه هناك في بعض بلدان من العالم ضمن الحركة النقابية العالمية قيادات في اتحادات النقابات العمالية تتم رشوتهم إما من قبل الحكومات أو من أرباب العمل، وهذا ساهم في الحد من العمل النقابي وعرقلته، وأفقد تلك النقابات استقلاليتها وحريتها، ويجب أن نعرف بأن هؤلاء قادة الاتحادات لا يمكنهم السير باتجاه الاستجابة لمطالب وحقوق الجماهير العمالية، أو أنهم يستطيعون قيادة النضال الطبقي.

إن الاتحاد العالمي لنقابات العمال في نضال مستمر، من أجل نقابات مستقلة، وحرة في قراراتها ومن أجل الحريات الديمقراطية لكل العمال، ويدعو إلى جبهة موحدة من الطبقة العاملة للكفاح ضد الاستغلال.

إن الأزمة التي تعصف بالنظام الرأسمالي اليوم تشكل فرصة مهمة للطبقة العاملة والحركة النقابية لإدراك قوتها، وتنظيم كفاحها الخاص، ومن أجل الخلاص من الاستغلال والاضطهاد إنها فرصتها التاريخية للحد من النظام الرأسمالي، إن الحركة النقابية يجب أن تكون المحرك الأساس، وأن الشرط الرئيس لذلك هو تغيير الوضع في الحركة العمالية وتخليصها من القوى الإصلاحية والانتهازية المهادنة لأرباب العمل، سواء في الدولة أو القطاع الخاص. 

خلاصة القول

الأزمة الاقتصادية الرأسمالية اليوم لم تكن أمراً غير متوقع وهي ليست الأولى، وربما تكون الأكثر تدميرياً لقوة العمل، وإن استطاعت الرأسمالية التغلب على الأزمة الراهنة فسوف لن يكون وضعها إلّا ضعيفاً وسيهيئ الظروف لأزمة جديدة أكثر عمقاً تنبئ بزوالها. 

الحركة النقابية لا تستطيع أن تحقق أية حقوق للعمال والفئات الشعبية، إذا حددت عملها بالعمل الإصلاحي والتهادن مع قوى رأس المال، ولم تقم بالنضال الذي يسعى إلى تحطيم قوة الرأسمال في كل بلد، وبمعنى آخر يجب على الحركة النقابية أن تتحمل كامل المسؤولية اتجاه من تمثلهم، وتقاوم كل الأصوات التي تريد جر الحركة النقابية إلى الوراء، وتتعاون مع تلك القوى التي تناضل من أجل الدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية للطبقة العاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
989
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 14:52