ميثاق أثينا
تأسس الاتحاد العالمي للنقابات في الثالث من شهر تشرين الأول لعام 1945 عقب هزيمة الفاشية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وخلال هذه السنوات كان الاتحاد العالمي للنقابات العمال، كمنظمة تلعب دوراً هاماً ضد الإمبريالية ومحاولة هيمنتها على شعوب العالم، إضافة إلى وقوفها إلى جانب الطبقة العاملة في الكفاح ضد الاستغلال الرأسمالي.
يعتبر ميثاق أثينا الذي صدر عن المؤتمر السادس عشر لاتحاد نقابات العمال العالمي في نيسان من عام 2011، من أهم الوثائق، حيث كان الشعار الأساس لهذا المؤتمر والميثاق هو «أيها العمال ثوروا ضد الرأسمالية الهمجية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وعالم خالٍ من الاستغلال».
عواقب الأزمة العالمية على العمال
تحدث الميثاق في الفصل الأول عن الأزمة الرأسمالية العالمية المستمرة وعواقبها على الطبقة العاملة والشعوب، حيث أكد الميثاق: أن النظام الرأسمالي العالمي يعيش في أزمة اقتصادية عميقة ومتعددة الجوانب، منها: ارتفاع نسبة البطالة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي والتجارة العالمية الذي ينتج عنهما فقر متزايد لملايين من البشر على هذه البسيطة، وخاصة في الاقتصاديات النامية. وبَيّن أن على أي تنظيم نقابي يحترم نفسه، والعمال الذين يمثلهم في أي ظرف، لا بد أن يتبنى الاستنتاجات التي توصل إليها المفكر الكبير للطبقة العاملة كارل ماركس، حيث اكتشف من خلال أعماله «أن الأزمة الاقتصادية تفضح التناقض الأساس للرأسمالية بين الطابع الاجتماعي للإنتاج، والشكل الرأسمالي لملكية وسائل الإنتاج»، واستمرار هذه الأزمة ما زال ينتج عنها المزيد من البطالة والفقر وفقدان العمل نتيجة انعدام الوظائف، وقال الميثاق: «البطالة هي ظاهرة اجتماعية متأصلة في الرأسمالية»، والعمال العاطلون عن العمل يستخدمون من قبل رأس المال في العديد من القضايا، كأداة لكسر الإضراب، أو أي شكل من أشكال الاحتجاج، من أجل إبقاء رواتب العمال متدنية.
أكد الميثاق على أن الأزمة الاقتصادية للرأسمالية مستمرة رغم التقارير المقدمة من المؤسسات الرأسمالية التي تشير إلى الانتعاش، وهذا ما تؤكده الخلافات السياسية الاقتصادية بين مراكز رأس المال، وعدم قدرتها على حل التناقضات المتأصلة في النظام الرأسمالي، وفيما بين بعضها البعض، فالبيانات تدل على عمق الأزمة الحالية في بنية الرأسمالية، وخاصة من خلال تزايد العجز التجاري المستمر للدولار الأمريكي ولكل مراكز رأس المال بما فيها اليابان. فعلى سبيل المثال: من المتوقع أن يصل إلى أكثر من/1,6/ تريليون دولار أي، ما يعادل 11% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وقُدّر مجموع الديون بما يقارب بـ /12/ تريليون دولار أمريكي أي، ما يعادل 68% من الناتج الإجمالي الأمريكي، كذلك أوروبا ليست بأحسن حالاً من المركز والأطراف الأخرى. حيث يعاني النظام الألماني الذي يعتبر الطاقة المحركة للاقتصاد الرأسمالي الأوروبي من ارتفاع نسبة الدَّين الحكومي إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي اليابان وصل الدَّين العام إلى ضعف الناتج المحلي الإجمالي لهذه القوى الإمبريالية الكبيرة أيضاً.
تحاول هذه المراكز الرأسمالية إخفاء الطبيعة الطبقية لهذه الأزمة البنيوية، واعتبارها مشكلة داخلية تتطلب كل الجهود من جميع أعضاء المجتمع.
يؤكد الميثاق على «أن رأس المال دوماً يحاول إخراج نفسه من الأزمة وتحميل أعبائها للغير وإلقاءها على عاتق الطبقة العاملة، والطبقات الشعبية الفقيرة الأخرى». ويتم ذلك من خلال الارتفاع الكبير في معدلات البطالة، وانخفاض الدخل للطبقة العاملة، وتخفيض ميزانيات الإنفاق الاجتماعي الى ما دون الحدود الدنيا أو إلغائها كالصحة وغيرها، ورفع سن التقاعد كما حاولت فرنسا منذ فترة قريبة، إن هذه الوقائع وغيرها تظهر مدى « تطفل وتحلل النظام الرأسمالي». أما الانتعاش الهش في منطقة الدولار الأمريكي ومنطقة اليورو، فيعود إلى دعم الدولة الرئيس للشركات الرأسمالية، وهو لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، وهذا ما يفسر لنا الخلافات بين المراكز وفي المركز الرئيس حول السياسات التي يجب أن تتبع الانكفاء أو زيادة توسيع رقع الحرب والتوترات، وهذه الخلافات بين الطبقة المسيطرة يعتبرها الميثاق وجهين لعملة واحدة، فهي لا تستطيع أن تزيل التناقضات المتأصلة في النظام الرأسمالي، ولن تقدم التنازلات إلّا بانتصارات تحققها الطبقة العاملة.
في المقلب الآخر، تواجه الطبقة العاملة عبر العالم ارتفاعاً في معدلات البطالة وغلاءً في أسعار الحاجات الأساسية للطبقة العاملة، وكذلك أيضاً تعاني انخفاضاً في الخدمات الاجتماعية كالتعليم، والرعاية الصحية، الاجتماعية، وفقدان الممتلكات كالمنازل وغيرها، بسبب الديون المستحقة للمصارف، فإن الرأسمالية تكشف عن وجهها الحقيقي ليس فقط في البلدان النامية فقط، وإنما أيضاً في المراكز الإمبريالية.
وقُدّر عدد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة بـ 30 مليون أمريكي أي: ما يقارب 20% من مجموع القوى العاملة، وفي أوروبا تجاوز معدل البطالة نسبة 20%، كما ازداد عدد الجياع والفقراء في العالم الذين لا يمكنهم الحصول على حاجاتهم الأساسية وخاصة في العالم الثالث.
الأزمة والحركة النقابية
يؤكد الميثاق على أن الحركة النقابية الطبقية وحركة الطبقة العاملة يجب أن يعملا على إنشاء جبهة إيديولوجية قوية مقاومة لتلك القوى التي تدعي العقلانية، وتعمل على تضليل العمال فيما يخص أسباب الأزمة وآليات وطرق الخروج منها، وتقوم بتحطيم عزيمة الطبقة العاملة حتى لا تدرك بأن خلاصها لا يمكن إلا بسقوط الرأسمالية، والنضال هو الطريق الوحيد لإسقاط هذا النظام الرأسمالي بشكل كامل، لقد لعبت الاتحادات النقابية الإصلاحية والمهادنة للأنظمة الحاكمة دوراً في إضعاف الحركة النقابية وجماهيريتها، من خلال تثبيت فكرة التعاون أو التشارك مع الأنظمة والحكومات، وعدم تبنيها الأساليب الكفاحية المختلفة من إضرابات ومظاهرات وغيرها من هذه الأساليب الكفاحية، وتحولت هذه الاتحادات النقابية إلى هياكل بيروقراطية، وتدعم أرباب العمل في إخماد كل صوت مقاوم يطالب بحقوقه، وبالنتيجة، هم مساهمون في تفشي الفساد وزيادته في بلدانهم، وخاصة عندما لا تكون الأجور هي من أولويتهم، ويتركون العمال يواجهون أرباب العمل وجعبهم خالية من السهام، وغير قادرين على مواجه الهجوم الرأسمالي الشامل على حقوقهم، وإن مثل هذه الاتحادات متواجدة في اليونان، والدانمارك، وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا، وفي دول العالم الثالث، مثل: مصر والمغرب وسورية وغيرها من البلدان الأخرى الشبيهة.
ما نود أن نقوله حول ميثاق أثينا وهو يبحث بشكل موسع القضايا المتعلقة بوضع الطبقة العاملة ونضالاتها على ضوء أزمة الرأسمالية العميقة، بمختلف جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، متسلحاً هذا التقرير بأرقام تعكس الأزمة الرأسمالية والاحتمالات الذاهبة إليها، وهي أرقام أصبحت قديمة، حيث تضاعفت الأرقام المعلنة بالتقرير عن لحظة كتابته في عام 2011، وهذا يعزز رؤية اتحاد النقابات العالمي في تحليله لطبيعة الأزمة الرأسمالية، وبالتالي، موقف الطبقة العاملة في الرد على النهب العالي من قبل الدول والرأسماليين، وأن الطبقة العاملة خيارها الوحيد هو: المواجهة، وهذا ما يجري الآن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 988