إعاقة جديدة في طريق التصنيع
عادل ياسين عادل ياسين

إعاقة جديدة في طريق التصنيع

كُتبت الكثير من الدراسات وأُلقيت العديد من المحاضرات حول الصناعات النسيجية في سورية، وهذا الاهتمام العالي من بعض المختصين في الصناعات النسيجية مرده إلى تجذر هذه الصناعة في سورية، وعمرها الطويل وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية من حيث تشغيل اليد العاملة، حيث تطورت الصناعات النسيجية بشكل طفرات، وبقيت من العقد الثاني من القرن الماضي وحتى عام 1933 تسود الصناعات النسيجية الأعمال اليدوية، بعدها بدأت تدخل لهذه الصناعة المكننة والآلات الحديثة بمقاييس ذلك الوقت، في دمشق وحمص وحلب، وبعدها جرى تجميع الشركات النسيجية وفقاً لقرار التأميم بـ 12 شركة يشرف عليها اتحاد الصناعات النسيجية.

الاستفادة من المادة الخام

النقلة الثانية المهمة جرت في السبعينات والثمانينات، حيث أُنشئت 11 شركة غزل ونسيج في مختلف الصناعات النسيجية، وفي مناطق متعددة من البلاد، وهذا سمح بالاستفادة من المادة الخام التي كانت تنتج، وهي القطن الذي رافقه إقامة محالج للقطن تزود المعامل بما تحتاجه من الأقطان اللازمة للصناعات المختلفة.
وفقاً لعدد المعامل وتنوعها كان من المفترض أن تكون الصناعات النسيجية متمتعة بالحصانة والرعاية كون مادتها الأولية بمعظمها تنتج محلياً، وهذا يولد قيمة مضافة عالية، ولكن الأقدار كما معظم الصناعات قد أوقعتها تحت رحمة سياسات ليس لها في الصناعة طريق، وترى فيها أحد المعيقات التي تعرقل مسار تلك السياسات، وكان لابد من أجل إنجاز برنامجها المتوافق مع نصائح صندوق النقد والبنك الدوليين، التخلص من هذا (العبء) كونه يثقل كاهل الحكومات، كما هو مصرح به، ولهذا جرى على فترات طويله إضعاف هذا الجانب وجعله يأكل بعضه بعضاً، وهذا ما صرح به أحد جهابذة الاقتصاد الليبرالي السوري بقوله (لماذا نختلف حول بقاء القطاع العام أو عدم بقائه فلنجعله يموت موتاً سريرياً) ويكون البقاء لله وحده.
كما ذكرنا أعلاه فإن التنوع الكبير في الصناعات النسيجية المعتمدة بشكل كبير في المادة الأولية على ما هو منتج محلياً، حيث كانت أمام هذه الصناعة فرصة كبيرة في احتلال موقعها المميز ضمن الصناعات الأجنبية، مثل: الصين أو الهند أو تركيا، ولكن تم سحب البساط من تحتها، حيث لم يعمل على رفدها بمراكز أبحاث تطور منتجها، ولم يعمل على توطين الآلات التي هي بمعظمها مستوردة، ونقصد بالتوطين إجراء عمليات تطوير لخطوط الإنتاج المختلفة من تصنيع للقطع التبديلية وغيرها وعدم البقاء تحت رحمة الشركات المصنعة لتلك الخطوط ، ولتلك القطع التبديلية التي هي غربية بمعظمها، ونعتقد جازمين لو كانت هناك إرادة تطوير للصناعات عند الحكومات المختلفة لتوجهت نحو التصنيع وتطوير ما يلزم من خطوط إنتاج، عبر إقامة مراكز أبحاث تؤمن لهذه الصناعة ما يلزمها من أجل أن تبقى رائدة في عالم صناعة النسيج.
في مرحلة ما قبل الأزمة بدأت شركات النسيج تظهر معاناتها الحقيقية سواء بالخطط الإنتاجية ونوعية منتجاتها، أو بالقطع التبديلية الضرورية للصيانة واستمرار عملية الإنتاج، أو بدوران اليد العاملة الذي كان سببه استقطاب معامل القطاع الخاص، التي نمت وكبرت في ظل السياسات الليبرالية والمرسوم رقم 10 الذي وفر لهذا القطاع أسباب نموه وكبره على حساب شركات قطاع الدولة، التي تغرق في مشاكلها، والتي أصبحت مزمنة دون حلول حقيقية تجعلها تنتج بطاقتها القصوى، وبمواصفات عالية وجودة مميزة، وتضعف قدراتها على منافسة البضائع الأجنبية التي تواردت مع سياسة الانفتاح وعمليات تحرير الأسواق، وبهذا السلوك تجاه شركات قطاع الدولة تكون هذه الشركات كما يقال: اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا.
أثناء الأزمة ازداد وضع الشركات سوءاً على سوئها السابق، حيث دمرت العديد من الشركات بسبب الأعمال القتالية في مناطقها، وبالتالي خرجت من العملية الإنتاجية، وتم توزيع عمالها على بعض المعامل والمؤسسات الحكومية، والبعض الآخر يعمل بطاقته الدنيا، وهذا الواقع ينطبق أيضاً على شركات ومعامل ومشاغل القطاع الخاص، حيث أصيب بأضرار بليغة يحاول تجاوزها، ولكن الكثير من القرارات الحكومية تضع العصي في دواليب إعادة الروح والحياة لتلك المعامل كما هو واقع الحال في المنطقة الصناعية في القابون.
ولزيادة الإعاقات في تشغيل المعامل سواء في القطاع الخاص أو قطاع الدولة، تمت زيادة ملحوظة في أسعار الخيوط القطنية، وتبلغ هذه الزيادة ما يعادل الـ50% من سعرها السابق من آخر نشرة تسعيرية أصدرتها المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، حيث قوبلت هذه الزيادات على الأسعار من قبل الصناعيين بعدم الرضا لما ستسببه من أضرار على صعيد ارتفاع أسعار المنتج النهائي من الأقمشة القطنية والألبسة الجاهزة، وهذا سيؤدي إلى كساد في المنتجات، وإلى توقف في الإنتاج وبدوره هذا سيؤدي إلى تسريح للعمال.
إن زيادة الأسعار في هذا الخصوص هي أهون السبل بالنسبة للحكومة من أجل زيادة مواردها، ولكن هذه الموارد ستنقص ولن تزيد إذا ما توقفت المعامل عن العمل، وستؤدي إلى تفاقم في مشكلة البطالة، التي هي متفاقمة أصلاً، وهذا يعني مزيد من الإفقار للطبقة العاملة المفقرة أصلاً، فهل هذا ما ترمي إلية الحكومة بقراراتها التي ستعطل المعامل وستسرح العمال من معاملهم؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
984
آخر تعديل على الإثنين, 21 أيلول/سبتمبر 2020 14:47