تعا نلم تنك وبلاستيك
ضج- في الآونة الأخيرة- الشارع السوري والأعلام المرئي والمسموع والمقروء ووسائل التواصل الاجتماعي بمخاوف المواطنين حول عودة الطلاب إلى المدارس، وما هي آليات الوقاية ضد فايروس كورونا، كما أطلق هاشتاغ لا تبعتو ولادكم على المدارس، وجميعنا يعلم كم الهلع والرعب من قبل الأهالي على أبنائهم وأنفسهم، من توابع اختلاط الطلاب في المدارس وما حصل من مشادات بين التربية والأطباء الذين أدلوا بتصريحات لإغلاق المدارس، يظهر درجة الخوف والاستهتار كخطين متوازيين في هذه القضية.
سير العملية التربوية
في المحصلة عاد أبناؤنا إلى المدارس وستسير العملية التربوية كما هو مخطط لها في خندق ملؤه الخطر، ولكن لهذه العودة آثار أخرى، يبدو أن اصحاب الأمر والنهي لم يلاحظوها، بسبب فارق الهوه بينهم وبين من أرسلوا أبناءهم إلى المدارس فهؤلاء المفقرين قد أفرغت جيوبهم، حتى يؤمنوا لأبنائهم مستلزمات (العملية التربوية) من حقائب وقرطاسية وما إلى هنالك من حاجيات كاللباس والأحذية، ومن هؤلاء الآباء أصحاب الدخل ليس المحدود فقط!! كما هو متعارف عليه بل من أصحاب (الدخل المعدوم) قد استدان ثمن اللوازم المدرسية، ومنهم أيضاً من أعاد استخدام القديم وتبادلوا أيضاً بين الأسرة الواحدة اللوازم التي يستطيعون تدويرها والاستفادة منها.
وحتى تنطلق العملية التربوية قدمت السورية للتجارة مبادرة لتسهيل شراء هذه اللوازم لموظفي القطاع العام، حيث وفرت المؤسسة (قرض القرطاسية) والذي يبلغ 100 ألف ليرة سورية لمدة عام دون فوائد، عن طريق بيان بالراتب من الدائرة التي يعمل فيها الموظف، وبنسبة تنزيلات لا تقل عن 40%، أنا بشكل شخصي سوف أتحفظ عن الرد والشرح ولذلك اخترت بعض آراء المواطنين حول الموضوع، في وسائل التواصل الاجتماعي وسوف أدرجها كما هي:
(طيب والعامل شو وضعوا ليش ما عم يلاقوا حلول للعالم كلها مرة وحدة
المفروض التعليم يكون مجاني بسعر رمزي يعطوه للطلاب كتب ليدرسوا)
(طيب هذا للموظف ويلي معتر ومش موظف شو بيسوي ومحصول الفلاح المعثر بينزل سعرو
..قال شو عرض وطلب ..اطلعو من هالبواب والله مكشوفين)
(ليه قرض يعني ... ما تنزل الأسعار مو أفضل)
(لك حاسبين البلد بس موظفين يعني وباقي العالم شو ؟ يعني قرض للموظف ووقت يكون في عامل آكل هوا مش عبيطالع اكلو وشربو، ولازم يشتري كتب متلو متل الموظف لولادو، يعني بس الموظف لازم يعيش؟ حتى إذا بدك قرض بدك موظف يكفلك ويتمقطع فيك ليوافق يكفلك.. لك البلد مو كلا موظفين احترمو هالشعب بيكفي ذل).
السير نحو الهاوية
كل ما ذكر أعلاه تمحور حول الموظفين بكل أشكالهم (عام خاص غير منظم) ممن جاهدوا ليؤمنوا لأبنائهم لوازم المدرسة، ولكن هناك فقراء أيضاً يجاهدون لتأمين لقمة عيشهم عبثاً، والكثير منهم قد أرسلوا أبناءهم للعمل في العطلة الصيفية ليساعدوهم في تأمين لقمة العيش، ومن هؤلاء الأطفال من اقتطع من راتبه ثمن لوازم الدراسة، ومن هؤلاء الأهالي أيضاً من أجبره الواقع الاقتصادي المأساوي الذي يعيشه المواطن السوري، أن يرسل أطفاله للدراسة والعمل في آن واحد.
وفي طرف مخفي ومستتر هناك أيضاً عملية تربوية تجري بشكل أخر، وأكثر توحشاً من فايروس كورونا، ألا وهي التسرب من الدراسة، في السابق وقبل أن يصل المجتمع السوري إلى هذه المرحلة من التردي المعيشي كان الأهل عندما يجدون أبنائهم غير نافعين كما يقال في الدارسة، يقولون له (روح تعلم مصلحة) وأنا هنا لا أدافع عن هذا التصرف فتراجع مستوى الطفل دراسياً له أسبابه أيضاً، ولسنا اليوم بوارد الشرح عنه، اليوم هؤلاء الأطفال يتسربون من الدراسة لأسباب واضحة: الفقر ثم الفقر، وقطعاً هؤلاء الأطفال يذهبون للعمل في قطاع عمل غير منظم ولا يراعي أعمارهم فتجدهم في ورش تصليح السيارات وفي ورش أعمال البناء، ومغاسل السيارات وفي المطاعم كعمال نظافة، أضف إلى ذلك الكم الهائل من الأطفال الذين يفترشون الطرقات للتسول، ومن يبيعون المحارم والبسكويت ويمسحون زجاج السيارات عند إشارات المرور، ومن يعملون أيضاً في جمع المعادن من حاويات القمامة، وما إلى هنالك من أعمال.. والكارثة الكبرى نقلها لي أحدهم أنه رأى عدة مرات أطفالاً يمتهنون بيع المخدرات كالحشيش والحبوب المخدرة ويوزعونها على الزبائن في الشوارع، قال لي: رأيته بأم عيني يعطي أحدهم المخدرات على طريق المطار، أتعلمون ما يعني ذلك؟، سورية بعد كل ما مرّ عليها من حروب وخوف وظلم وتشرد، هناك من يدفع اليوم لبناء جيل كامل يمتهن الجريمة، والمتابع لأخبار الشارع السوري على امتداد الجغرافيا السورية يعلم جيداً كم الجرائم والسرقات التي ترتكب، وما هي أعمار هؤلاء الأطفال.
هذا نتاج التوحش الرأسمالي
إن هذا الذي يدفع بشكل مستمر هؤلاء الفقراء دفعاً باتجاه الهاوية، ويضعهم في حضيض الحياة ظناً منه أنه يبعد خطر هؤلاء المفقرين عنه، في الفيزياء المادة لا تفنى ولا تخلق من العدم، ولكنها تتحول من شكل إلى آخر، وكثير من المواد الطبيعية تحتوي على طاقة كامنة رهيبة، وإذا اجتمعت عليها جميع عوامل الضغط الخارجية سيكون لها أثر غير متوقع حيث ستتحرر الطاقة الكامنة الموجودة فيها، وربما تحدث انفجاراً، ولذلك فإن أي مجتمع ولو كانت الجريمة فيه أمراً شائعاً فهو يمتلك هذه الطاقة الكامنة ويعلم جيداً، ما هي الأسباب التي أوصلته لما هو عليه، فإن كان (الناهبون الكبار) لأرزاق الشعب السوري يدفعون هؤلاء الفقراء دفعاً باتجاه خيارين، إما عمل وعيش حياة العبودية أو الإجرام فقوانين الطبيعة والمجتمع تقول لهم: خاب فألكم.
«مختصر الكلام»
مع كل ما ذكرناه ليس هناك أي حل تقدمه الحكومة فالوضع الكارثي الذي وصل له الشعب السوري، أصبح من الصعب جداً حله بمنطق الحلول الإصلاحية، بل عن طريق حل جميع الأزمات المترابطة والمتربصة بالشعب السوري وهذا الحل الحتمي هو بالتوجه الفوري نحو الحل السياسي ولتنفيذ القرار الدولي 2245.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 984