منظمة العمل الدولية والدور المشبوه

منظمة العمل الدولية والدور المشبوه

الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والتي تتخذ قراراتها بالتصويت وتشارك فيها أطراف الإنتاج الثلاثة، تكون في أغلبها غير ملزمة للدول التي صادقت عليها، وهي تعبر في مضمونها عن مصالح قوى رأس المال المهيمنة على قراراتها، من خلال تمويلها لأنشطة منظمة العمل الدولية، التي يساهم فيها بشكل فعال «الهستدروت الصهيوني» حيث يجري انتهاك حقوق العمال بشكل سافر من قبل هذه الدول، عبر التشريعات والقوانين الخاصة بالعمل، وكون هناك انتهاك للقانون الدولي الذي يؤكد على حقوق العمال، وخاصةً أجورهم، وهذا يعني أن مستوى الحريات النقابية والحريات الديمقراطية متدنٍ إن لم نقل معدوماً، والنقابات المشاركة في التصويت على القرارات المختلفة الصادرة عن منظمة العمل لاحول ولا قوة لها، وفي أحيان كثيرة تعبر عن وجهة نظر حكوماتها، ولهذا فإن الطبقة العاملة تخوض نضالها من أجل حقوقها بمعزل عن توجهات منظمة العمل، وذلك من خلال تنظيم قواها وتفعيل أدواتها، وعلى رأسها سلاح الإضراب والتظاهر، الذي هو فعال ويحقق نتائج في حال استخدامه استخداماً مدروساً وصحيحاً، كما هو مشاهد الآن في الكثير من الدول الرأسمالية، التي تعبر فيها الطبقة العاملة عن مصالحها وحقوقها بعيداً عن النقابات الصفراء المهيمن على قراراتها.

إن القوانين والاتفاقيات الصادرة هي تعبير عن مصالح القوى المهيمنة، ولهذا يجري خرقها لصالحهم، وحتى تكون القوانين والاتفاقات فعالة وحامية لحقوق العمال لابد من تعديل في ميزان القوى الذي يتغير، والتعديل المفترض ستصنعه الطبقة العاملة بقوة تنظيمها وفعالية أدواتها وحراكها على الأرض، المستند لوعي حقيقي بمصالحها وبرنامجها الثوري المحطم لقوى رأس المال.
وهنا نعرض شكل الحماية التي يطرحها القانون الدولي لحقوق العمال، وهذا الطرح سيبقى طرحاً إن لم يُحم بقوة أصحاب المصلحة الحقيقية.
القانون الدولي كحقل خاص من القانون، يرمز إلى مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي، وعلى رأسها الدول والمنظمات الدولية وهدفه الرئيس هو: فض النزاعات بين الدول بالطرق السلمية.
لم يعترف القانون الدولي لحد الآن بالأفراد كأشخاص للقانون الدولي بصورة كاملة، بل يتعامل معهم من خلال دولهم، ما عدا بعض المستويات الإقليمية، كحماية حقوق الإنسان في إطار المجلس الأوروبي.
حقوق العمال تقع أيضاً في إطار حقوق الإنسان التي لا تتم حمايتها بصورة فعالة في القانون الدولي.
ومصطلح العمال نفسه يختلف في القانون الدولي عما عليه عند التعريفات الاقتصادية والسياسية، إذ أنه من الناحية الاقتصادية يعتبر العمل كأحد عوامل الإنتاج الثلاثة، أي: الأرض والرأسمال والعمل (الرأسمال البشري).
ومن الناحية السياسية أي: الإيديولوجية، خاصة الماركسية، يشار إلى العمال كالطبقة المنتجة مهمشة الدور، والتي تضطر إلى بيع قوة عملها في المجتمع الرأسمالي.
القانون الدولي لا يميز هنا بين أية فئة معينة من العاملين مقابل الأجر، ولهذا يستخدم القانون الدولي مصطلح العاملين بدل العمال.

الأهداف الرئيسة للقانون الدولي في مجال حماية حقوق العمال

تنظيم المنافسة: من المعلوم بأن الدول والشركات هي في منافسة اقتصادية مستمرة مع بعضها البعض، والمنافسة هذه تكون بصورة رئيسة في مجال أسعار السلع المنتجة، حيث تدني أسعار السلع يعتبر امتيازاً تسويقياً للمنتج. وهناك مخاوف بأن تجري هذه المنافسة في مجال الأسعار على حساب العمال، كعامل إنتاج متغير قبل الأرض والرأسمال، أي: استغلال جهد العمال من خلال دفع أجور غير عادلة لهم، من أجل خفض أسعار السلع في السوق لصالح تقوية المنافسة. ولهذا فإن القانون الدولي يسعى إلى حماية العمال من أجل الحصول على أجور عادلة مقابل عملهم.
دعم السلم الدولي: من المعلوم بأن اللاعدالة في المجال الاجتماعي في دولة ما تشكل أيضاً خطراً على المجتمع الدولي ككل، لأنها يمكن أن تؤدي إلى ثورات وحروب داخلية، ولهذا فإن القانون الدولي يحاول بجهد نشر العدالة في العالم خدمة للسلم الدولي.
نشر العدالة الاجتماعية: من البدهي بأن النمو الاقتصادي في دولة ما لا يعني بالضرورة التقدم الاجتماعي. وفي بعض الحالات تمنح الأولوية للنمو الاقتصادي على حساب التقدم والرفاه الاجتماعي، وغالباً ما يكون العمال من بين أولى الضحايا، ولهذا فإن القانون الدولي يسعى إلى إيجاد توازن بين النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.
تطوير قوانين العمل الوطنية: إن القانون الدولي من خلال وضعه المعايير في مجال حماية حقوق العمال، يضع سقفاً قانونياً للقوانين الوطنية المختصة بحقوق العمال، لا يجوز تجاوزه، كحضر عمل الأطفال وتحسين ظروف العمل والمساواة في الأجور مثلاً.
دعم حركات الإصلاح: القانون الدولي من خلال إصداره لتوصيات وعقد معاهدات دولية يشكل مصدر إلهام للمطالبين بحقوق العمال، وتحسين ظروفهم من قبل منظمات المجتمع المدني، وحتى الحكومات، وتمنح هذه المطالب شرعية دولية.
القانون الدولي كأي حقل آخر من القانون يحتاج إلى آلية معينة لغرض تأدية واجباته في تطبيق وتنفيذ قواعده، كما هو الحال في القوانين الوطنية، حيث هناك المحاكم التي تطبق القانون، والأجهزة التنفيذية التي تنفذ قرارات المحاكم. ولو أن الأمر يختلف نوعاً ما في القانون الدولي. إذ أنه يفتقر على المستوى الدولي إلى آلية تنفيذية مركزية، وأن الدول تعتمد إلى حد كبير على حق الثأر، أي: الرد بالمثل.
وآلية القانون الدولي لحماية حقوق العمال على المستوى الدولي، هي: منظمة العمل الدولية.

مئات التوصيات والمعاهدات لمنظمة العمل الدولية

غزارة الاتفاقيات لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بحقوق العمال لها مدلولان، المدلول الاول: هو سلبي لأن القانون بصورة عامة يسعى إلى فض النزاعات في المجتمع بصورة سلمية، وإصدار قانون ما يعني بأن هناك نزاعاً مسبقاً، وغزارة الاتفاقيات المتعلقة بحقوق العمال تدل على أن هناك خروقات كثيرة لحقوق العمال، وإلّا لم تكن هناك حاجة لتنظيمها قانونياً. والمدلول الثاني: هو ايجابي لأنه يثبت بأن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي اتجاه خروقات حقوق العمال.

حماية دولية غير فعالة

اهتمام القانون الدولي بحقوق العمال لا يعني بالضرورة بأن هذه الحماية هي فعالة أيضاً. ولو أن مشكلة فعالية القانون الدولي هي مشكلة عامة، وليست متعلقة فقط بمجال حماية حقوق العمال، ولكنّ المشكلة هذه تظهر بصورة خاصة في هذا المجال، لكون العمال فعلاً طبقة مهمشة يصعب عليها الدفاع عن حقوقها. وسبب العجز هنا يعود إلى ضعف الآليات المستخدمة لحماية حقوق العمال، أي: إن الاتفاقيات الدولية والتوصيات تفتقر إلى آلية تنفيذية فعالة كمحكمة خاصة بها مثلاً، تصدر قرارات ملزمة للدول الأعضاء، يستطيع العمال اللجوء إليها في حالة خرق حقوقهم. لذلك فإن الاتفاقيات والتوصيات الموجودة في إطار منظمة العمل الدولية يمكن اعتبارها من ضمن ما يعرف بالقانون الناعم، أي: القانون غير الملزم مادياً بل أخلاقياً لضعف آلية مراقبة تنفيذه.
مثلاً: لو أخذنا عينة من هذه المعاهدات كاتفاقية تحديد مستويات الحد الأدنى للأجور لسنة 1970 المادة 12، واتفاقية حماية حقوق المهاجرين لسنة 1975 المادة 22، واتفاقية حماية حقوق الضمان الاجتماعي لسنة 1982 المادة 26، واتفاقية حظر عمل الأطفال لسنة 1999 المادة 14، نرى بأن آلية هذه الاتفاقيات لها هي ضعيفة جداً، إذ تنص كل هذه المواد التي تم ذكرها أعلاه على أن مجلس إدارة منظمة العمل الدولية يقدم تقريراً إلى المؤتمر السنوي العام حول تطبيق الاتفاقية المعنية من قبل دول الأعضاء. وهي آلية ضعيفة جداً لا تتعدى توبيخ الدولة العضو في الاتفاقية في حالة خرقها لاتفاقية من هذا النوع. فمثلاً: بالرغم من اتفاقية حضر عمل الأطفال فإن هناك عشرات الملايين من الأطفال يعملون في دول العالم الثالث تحت ظروف قاسية جداً، ومنظمة العمل الدولية لا تستطيع عمل شيء يذكر لمحاربة هذه الظاهرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
978
آخر تعديل على الإثنين, 10 آب/أغسطس 2020 13:44