الطبقة العاملة.. الاشتراكية.. والنضال ضد الجائحة 1/2
دافيد نورث دافيد نورث

الطبقة العاملة.. الاشتراكية.. والنضال ضد الجائحة 1/2

لفهم أهمية بروز الإضرابات العشوائية والاحتجاجات الكبيرة في شركات إنستاكارت، وأمازون، وعمال شركات الأغذية وعمال شركة جنرال إليكتريك في ماساشوستس وعمال بردو في كنتاكي والممرضات في سان فرانسيسكو وغيرهم. يجب الانطلاق من أن كل هذه الفعاليات الاحتجاجية كانت رداً على إخضاع سلامة العمال لمصلحة أرباح الشركات بشكل إجرامي.

تعرية التناقضات

إن من سمات كل أزمة كبيرة تعرية التناقضات التي تراكمت وقٌمعت على مدى عقود. وكل ما صار من الماضي وعفا عليه الزمن، وأصبح فاسداً، وهو بالقدر الأكبر من الموضوعية، سخيف بل وغير عقلاني في التنظيم الاقتصادي، والثقافة الاجتماعية، والقيادة السياسية والإيديولوجيا المهيمنة في المجتمع القائم، كل ذلك تم فضحه بشكل شرس وكامل على يد العمال.
إن ما سبق تمجيده صار فجأة محتقراً. والأبطال الذين مٌدحت إنجازاتهم صاروا موضع ازدراء عام. كما أن مشهد أولئك الذين يمثلون المؤسسة الحاكمة أو يٌعتبرون مدافعين عنها، يسببون- بين صفوف الشعب- شعوراً بالسخط والغضب والازدراء.
والجائحة الحالية «كورونا/ كوفيد – 19، هي أزمة من هذا النوع. فخلال عدة أسابيع فقط، أسقطت في أعين الملايين مصداقية النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي القائم. فالولايات المتحدة وهي أغنى بلاد العالم بشكل لا يقاس، وصاحبة أضخم البنوك والشركات، والتي تضم أكبر عدد من المليارديرات، قد أثبتت أنها غير قادرة على تنظيم أي شيء يشبه استجابة فعالة للوباء.

التقليل من شأن التحذيرات

لا توجد أية خطة لإبطاء وإيقاف انتشار فايروس كورونا المستجد. وقد شهد العقدان المنصرمان صدور العديد من الدراسات الطبية والتقارير الحكومية حول خطر انتشار وباء قاتل. وقد تم التقليل من شأن هذه التحذيرات وتجاهلها. فبالنسبة لنظام اقتصادي وسياسي كان هدفه الأول هو إثراء الأوليغارشيا الطفيلية، نٌظر إلى تخصيص موارد مالية لميادين بحث وإنتاج لا تولد مستويات عالية من الأرباح على أنها مضيعة للوقت والمال.
ونحن نرى اليوم نتيجة السياسة الاجتماعية الرجعية لذلك من خلال انتشار الموت مع انتشار الوباء في نيويورك، وبوسطن، وديترويت، وشيكاغو ونيو أورليانز، ولوس أنجلس. ومن غير المتوقع نجاة أية ولاية أو أية مدينة كبرى. إن المناطق الريفية التي لن تنجو من الجائحة تفتقر في كثير من الحالات إلى المرافق الأكثر بدائية للتعامل مع حالات عدوى واسعة.
إن الولايات المتحدة التي تنفق مئات المليارات على أنظمة التسلح الأكثر تطوراً في حروبها المتعددة في هذه المنطقة أو تلك من العالم، لا تستطيع تزويد مستشفياتها بالمنافس أو تزويد العاملين في الرعاية الصحية بالأقنعة وغيرها من تجهيزات الوقاية. كما أن الاختبارات المطلوبة لكشف الفايروس ومكافحته غير متاحة. وهناك عدد لا يحصى من آلاف البشر ممن يشكون من عوارض مرتبطة بفايروس كورونا غير قادرين على التأكد من إصابتهم بالعدوى أو عدمها.

تجاوز قدرة الاستيعاب

كما أن الأطباء، والممرضات، وكل أولئك الذين يقدمون وسائل الدعم الأساسية للمرضى يعملون من 15 إلى 18 ساعة في اليوم، ومعرضون هم بدورهم دائماً لخطر التقاط العدوى. ولا يوجد العدد المطلوب من أسرة المشافي للمرضى المحتاجين بشكل ملح إلى العلاج العاجل. كما تم تجاوز قدرة استيعاب الغرف المخصصة لحفظ الجثث، ويٌحرم حتى الموتى من الاحترام الذي يستحقونه.
لقد فضحت الأزمة المصالح المتناقضة غير القابلة للتوفيق فيما بينها التي صارت جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأمريكي، ولا توجد كذبة أكبر من أننا «العمال والرأسماليون» في قارب واحد. إننا لسنا معاّ!
نحن نعيش هذه الأزمة، وحيث إن نخبة المال- الشركات الحاكمة- والطبقة العاملة تعيشان هذه الأزمة بطرق مختلفة إلى حد بعيد، كما أن اهتماماتهما وأولوياتهما تنتميان إلى عالمين متباعدين متصارعين.
فمنذ البداية، كان الاهتمام الرئيس لنخبة المال- الشركات- وخدمها السياسي في الحزبين الديمقراطي والجمهوري هو حماية ثرواتها، وحماية نظام الربح الرأسمالي الذي تستند إليه، من التداعيات الاقتصادية للجائحة. ولم يكن معدل الإصابات وتصاعد الوفيات هما اللذان دفعا إدارة ترامب والكونغرس إلى العمل، بل الانهيار الواسع والمفاجئ في قيمة أسهم وول ستريت.

تبرير تخفيض الإنفاق

وكما كان عليه الحال في 2008، وإن كان الآن على نطاق أوسع، فقد طالبت الطبقة الحاكمة بضخ فوري لتريليونات الدولارات في الأسواق المالية وإلى خزائن الشركات. إن عبارة «النقود غير متوفرة» التي كانت تستخدم لرفض رفع رواتب العمال، ولتبرير تخفيضات الإنفاق الضخمة للخدمات الاجتماعية الأساسية لم تعد تٌسمَع في صالات الكونغرس. صوّت الكونغرس على وضع أموال غير محدودة تحت تصرف البنوك والشركات، دون أية قيود هامة ولا مراقبة لاستخدام الأموال. والأهم على الإطلاق، فاتورة الستة تريليونات دولار، وهذه ثاني عملية إنقاذ بهذا الحجم خلال ما يتجاوز بقليل عقد من السنين، التي اعتٌمدت دون أي حد أدنى من المساس بالملكية والثروة الرأسمالية. أما فيما يخص الأغلبية الساحقة من الشعب، فإن قيمة المال المخصص لاحتياجاته لا تعادل جزءاً بسيطاً من حزمة الإنقاذ التي أقرها الكونغرس.
تنهدت الطبقة الحاكمة تنهيدة ارتياح. فما أن تم التصويت على الفاتورة، حتى استأنف كازينو وول ستريت عملياته وارتفعت قيمة الأسهم، خلال أيام، بنسبة 20%. إنما التريليونات التي أقرها كونغرس الحزبين، في استعراض للوحدة شارك فيه السيناتور برني ساندرز وفق الأصول، شددت من الأزمة الاقتصادية الكامنة التي ولدتها عقود من الطفيلية الرأسمالية، المترافقة بصيرورة إضفاء سمة مالية على الاقتصاد، وهذا يعني عملية فصل غير مسبوقة في حجمها بين خلق المال وعملية الإنتاج الفعلية. صحيح أن الاقتصاديين الرأسماليين ينكرون بحماس نظرية قيمة العمل الماركسية، إنما لا يمكن لأي نظام رأسمالي الاستمرار بدون قوة عمل الطبقة العاملة. وكما لاحظ ماركس بإيجاز «كل طفل يعرف أن الأمة التي تكف عن العمل، ولن أقول لعام بل لعدة أسابيع، ستندثر».

معلومات إضافية

العدد رقم:
971
آخر تعديل على الإثنين, 22 حزيران/يونيو 2020 11:34