محطات من تاريخ العمال السوريين
تاريخ العمال السوريين الطويل يخبرنا بالعديد من المحطات الوطنية والطبقية، وقد شقت النقابات والاتحادات العمالية طريقاً شاقاً من النضال حتى انتزعت حق الطبقة العاملة السورية بحرية تأليف النقابات للدفاع عن مصالح وحقوق العمال. امتد تاريخ صعود الحركة النقابية والعمالية في سورية منذ بداية القرن العشرين حتى نهاية عام 1957.
اتحاد نقابات العمال
تأسست العديد من النقابات العمالية في مدينة دمشق في عشرينات القرن الماضي، وبعضها تأسس زمن الثورة السورية الكبرى 1925-1927، وخاض العمال العديد من النضالات ضد الاستعمار وضد أرباب العمل.
وفي العام 1936، تأسس اتحاد عمال دمشق لقيادة النقابات العمالية الموجودة في دمشق، وكان من أهم نشاطاته: رفع المطالب العمالية إلى المجلس النيابي والحكومة عام 1937 حول حرية تأليف النقابات وساعات العمل والأجور والتسريح وتعويض الشيخوخة والإجازات السنوية والراحة الاسبوعية وأجر العمل الإضافي وغير ذلك. كما خاض اتحاد عمال دمشق الإضرابات من أجل زيادة الأجور عام 1937 واستطاع تحقيق ذلك.
وفي عام 1938، توج نقابيو سورية نشاطهم بتأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية، وتأسست الاتحادات العمالية والنقابات في العديد من المحافظات.
المؤتمر الأول للعمال السوريين
منذ نهاية عام 1944 كانت الحكومة تشدد الرقابة على الاتحاد العام لنقابات سورية، فشكل الحزب الشيوعي مع قوى تقدمية أخرى اتحاداً نقابياً جديداً حمل اسم «مؤتمر العمال السوريين»، حضر المؤتمر الأول للعمال السوريين 112 مندوباً يمثلون أكثر من 17 ألف عامل برئاسة النقابي إبراهيم بكري عام 1945. وارتفع عدد منتسبي مؤتمر العمال السوريين عام 1946 إلى أكثر من 35 ألف عامل.
أصدر مؤتمر العمال السوريين نشرة «نقابات العمال». وشارك في تأسيس الاتحاد العالمي لنقابات العمال رغم منع الحكومة، وانتخب العمال الوفد السوري المكون من إبراهيم بكري أمين سر نقابة عمال النسيج في دمشق «بالإجماع» وسعيد السواس رئيس نقابة عمال الميكانيك في حلب «بالإجماع» وجميل عثمان عضو الهيئة الإدارية لنقابة مستخدمي الفنادق في حمص «30 صوت من أصل 40»، وأيد الوفد السوري اللبناني اقتراحاً حول تكوين اتحاد نقابات عالمي وانتسب إليه.
المؤتمر الثالث للعمال السوريين
في آذار 1952، انعقد المؤتمر الثالث للعمال السوريين ممثلاً لـ 9000 عامل، 3000 من دمشق، 2000 من حمص، 2000 من حلب، 500 من الجزيرة، والبقية من اللاذقية وطرطوس وحماة وإدلب. وتمثلت في المؤتمر مختلف المهن والصناعات السورية.
ترأس المؤتمر العديد من النقابيين، مثل: جبران حلال وإبراهيم بكري وخليل حريري وغيرهم، واتخذ المؤتمر قرارات بالتضامن مع نضال شعوب تونس ومصر وشهداء الحركة الطلابية في حلب الذين سقطوا وهم يهتفون ضد الأحلاف الاستعمارية.
وطالب المؤتمر جميع النقابيين بصرف النظر عن توجهاتهم للنضال في سبيل زيادة أجور العمال بنسبة 25% وتأمين الخبز للعمال بسعر رخيص وكمية كافية، وإصدار قانون للضمان الاجتماعي، وتشكيل لجان مشتركة لجميع المهن والمعامل لتحقيق هذه المطالب الأساسية.
المؤتمر الثامن لنقابات العمال
عقد المؤتمر الثامن لنقابات العمال في سورية على مدرج جامعة دمشق في شهر آذار من عام 1955 في أجواء من الحريات الديمقراطية والبرلمانية، وحضر المؤتمر مندوبون عن 200 اتحاد مهني يمثلون عشرات الآلاف من العمال، وانتخب القائد الشيوعي إبراهيم بكري رئيساً للمؤتمر.
وبعد انتهاء أعمال المؤتمر الثامن حدثت مظاهرة عمالية ضخمة أمام مبنى الجامعة تأكيداً على مطالب الطبقة العاملة السورية في زيادة الأجور والضمان الاجتماعي والضمان الصحي، وحق الإضراب ومنع التسريح التعسفي، وساعات العمل الثماني وغير ذلك.
الجبهة النقابية 1957
في جو من النهوض الوطني وصعود الحركة الشعبية، جرت الانتخابات النقابية عام 1957، واستطاع النقابيون الشيوعيون والتقدميون والمستقلون إسقاط القيادات الإصلاحية التي لها علاقات مع النقابات الأمريكية الإصلاحية، والقيادات الحرفية التي تدافع عن مصالح أرباب العمل، وتشكلت قيادة جديدة من تسعة نقابيين، ثلاثة شيوعيين وثلاثة تقدميين وثلاثة مستقلين.
وتشكلت بعد الانتخابات جبهة نقابية عرفت باسم «التجمع القومي النقابي»، وهي امتداد للجبهة الوطنية التي عرفت باسم «التجمع القومي البرلماني» داخل النقابات العمالية. وكان من أهم نشاطات الجبهة النقابية هو حشد صفوف الطبقة العاملة للمشاركة في أسبوع التحصين وحفر الخنادق حول العاصمة دمشق، أثناء تهديد تركيا وحلف الناتو والكيان الصهيوني بغزو سورية خريف عام 1957.
وفي العام 1959، تعرضت النقابات إلى حملة من التنكيل تمثلت بمحاولة تنحية النقابيين المنتخبين، وعندما أعاد العمال انتخاب نفس النقابيين لجأت سلطات الوحدة إلى سجن النقابيين، وحل النقابات القائمة، وتأسيس نقابات غير موجودة وتعيين رؤساء النقابات واتحادات المحافظات وضرب استقلالية الحركة النقابية في الصميم، لتدخل الأخيرة في مرحلة التراجع التدريجي طوال النصف الثاني من القرن العشرين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 969