العمال قبل سيزر

العمال قبل سيزر

يشكل الظلم الاجتماعي السمة المميزة لأي مجتمع قائم على استغلال الإنسان للإنسان، ويتجلى هذا بأشكال مختلفة، وذلك حسب مستوى تطور القوى المنتجة والتطور العام لهذه الدولة أو تلك، وبالتالي مطالب الطبقة العاملة والحركة النقابية التي تنحو إلى إزالة  الظلم الاجتماعي أو إضعاف مظاهره الملموسة، وهي تختلف من بلد إلى أخر من حيث أشكالها ومحتواها وظروفها الوطنية.

تأمين حاجات الطبقة العاملة تتوقف إلى حد كبير على التطور الاقتصادي والسياسات الاقتصادية الاجتماعية في البلاد، وأيضا حجم الثروة الاجتماعية التي تم إنتاجها من قبل الطبقة العاملة وكافة الكادحين، وكيف يتم توزيعها في المجتمع، وهل تحصل الطبقة العاملة على حصتها- من هذه الثروة- المناسبة للوضع والظروف المعيشة السائدة؟ دعونا نعترف أن ظروف العمال اليوم وخاصة الاقتصادية هي أسوأ مما كانت عليه في العقود القريبة السابقة، وذلك بمقارنة مؤشرات الحد الأدنى من الأجر الضروري لمستوى المعيشة، رغم التطور العلمي والتكنولوجي الذي جرى على محدوديته والمفروض منه أن يتيح ظروفاً أفضل ومختلفة للعمال، إلا أن السياسات الاقتصادية الاجتماعية والفساد والنهب المنظم والمشرعن لهذه الثروة حال دون ذلك، فاتجاه توزيع الحصة الأكبر من الدخل الوطني تستولي عليها هذه القوى، وإن الزيادات التي طرأت على الأجور وبعض متممات الأجر من مكافآت وغيرها خلال الفترات السابقة لا تعني توزيعاً عادلاً للثروة الاجتماعية، وإنما هي كذر الرماد في العيون.

لا حول لها ولا قوة

بات دخل العامل لا يكفي لسد رمقه بضعة أيام من الشهر، نتيجة ارتفاع الأسعار الجنوني وانخفاض قيمة الليرة الشرائية وفقدان أو شح الكثير من المواد الأساسية في الأسواق. فالعمال هم الطبقة التي لا حول لها ولا قوة سوى قوة عملها، والمعاناة التي يعانيها العامل السوري هي معاناة أغلبية الشعب السوري في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليهم وعلى البلاد عامة من قبل قوى الإمبريالية الأمريكية خاصة، والغرب عامة، المتمثلة بما يسمى قانون قيصر أو «سيزر» من جهة، ومن قبل قوى الفساد والنهب الداخليين من جهة أخرى.

على قارعة الطريق

لقد انعكست أثار هذه العقوبات سلباً على العمال في سورية، وخاصة الذين يعملون لدى القطاع الخاص المنظم منه وغير المنظم، وبات العمال مهددون بفقدان عملهم ليصبحوا على قارعة الطريق، نتيجة توقف منشآتهم عن العمل، بسبب عدم توفر المواد الأولية أو ارتفاع أسعارها نتيجة الحصار المفروض هذا من جهة، ومن جهة أخرى ضعف الأداء الحكومي اتجاه هذه الضغوطات القسرية المفروضة على البلاد، وعدم اتخاذ تلك الإجراءات الضرورية لمواجهة هذه العقوبات وحماية الإنتاج الوطني الحقيقي الصناعي والزراعي، هذا وقد بدأت بعض المنشآت بتسريح أعداد مختلفة من عمالها، وخاصة العمال غير المشمولين بمظلة التأمينات الاجتماعية نتيجة تهرب أصحاب العمل من تسجيلهم لديها، للتوقف الجزئي لهذه المنشآت، والمثل الأكثر وضوحاً الآن معامل الأدوية في القطاع الخاص، حيث بدأت تنضب من مستودعاتها المواد الأولية وأخذت طاقتها الإنتاجية تتدنى لعدم تمكن أصحاب المعامل من تأمين القَطع اللازم لعمليات استيراد المواد الأولية الداخله في تصنيع الدواء، وهذا الواقع قد أضر بمصالح العمال المتضررة أصلاً بسبب ضعف الأجور وارتفاع الأسعار، وأضر بالوقت نفسه بالمعامل المنتجة التي كانت تؤمن حاجات الناس من الأدوية.
أما موقف النقابات اتجاه هذا الوضع الواقع في البلاد فهي في حيرة من أمرها، فمهمتها الدفاع عن العمال ومصالحهم المختلفة والعمل على حماية الإنتاج الوطني والدفاع عنه، وفي ظل هذا الواقع يتساءل العديد من النقابيين: ما العمل؟ وخاصة أن النقابة لا تمتلك صلاحيات في زيادة الأجور أو تعديل قوانين، وليس لديها صناديق!

معلومات إضافية

العدد رقم:
969
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 15:06