ما الفرق بين الموت جوعاً أو بالفيروس؟!!
بالتأكيد هناك فرق أكيد، وهو أن الموت جوعاً يزيد من أرباح البعض ولا ينتشر ليؤثر على أصحاب الربح، ولا ينقل العدوى لهم، خاصة إذا كانت هناك سياسات اقتصادية تحميهم وتحمي أرباحهم، ولكن بالنسبة للفقراء الموت بالفيروس أرحم من الموت جوعاً.
فلم يكن وحده فيروس كورونا المسؤول الوحيد في مأساة العمال السوريين وتوقف أعمال الكثيرين ممن يكسبون لقمة عيشهم يوماً بيوم، ولم يكن وحده السبب في بقاء آلاف العمال في منازلهم من دون رواتب، وإنما سياسة الحكومة الاقتصادية وعدم مراعاتها للدستور والقوانين السورية المعمول بها هي من كانت الكارثة الأكبر على العمال.
الدستور
جاء في المادة التاسعة عشر من الدستور السوري على أنه ( يقوم المجتمع في الجمهورية العربية السورية على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد).
نص المادة صريح وواضح، فهو يؤكد على ضرورة بناء مجتمع سوري على أساس التكافل والعدالة الاجتماعية ولم نر في سياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية لا قبل كورونا ولا بعده أي تنفيذ لهذه المادة من الدستور، فهل من العدالة الاجتماعية أن يتم ترك العمال من دون أجور حتى إشعار آخر؟ وكيف سيتدبر هؤلاء أمورهم؟ وكيف سيتم صيانة كرامتهم الإنسانية وقد تركت أفواههم مفتوحة للسماء دون أن يكون لهم أي مدخول يستطيعون من خلاله تأمين بعض حاجياتهم الأساسية لا سيما أن رواتبهم أساساً لا تكفل لهم حياة كريمة ولا تلبي أدنى متطلباتهم المعيشية.
وإذا عدنا إلى الدستور السوري مرة أخرى، فقد جاء في المادة الثانية والعشرين على أن تكفل الدولة كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة.
وتحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي.
ولكن السياسات الحكومية التي ما زالت مصرة عليها مخالفة الدستور، وتضرب نصوصه بعرض الحائط كل يوم، وخاصة عند كل استحقاق يخص العمال، وكل هذا من أجل عدم إزعاج أصحاب الربح ذوي البطون المنتفخة، وعدم الزامهم بأي شيء، ولما لا؟ فهم حسب نظر الحكومة مجموعة من المساكين وحدهم تأثروا بالأزمة، أما ملايين العمال على امتداد الوطن فلم يتأذوا خلال الأزمة وعليهم التضحية من أجل حفنة من اللصوص والفاسدين الذين لم ولن يشبعوا من النهب طوال هذه السنين، ويستغلون أية أزمة لزيادة أرباحهم، وتعمل الحكومة على حمايتها وتُحرّم المساس بها.
بالرجوع إلى نصوص الدستور المذكورة أعلاه، كان يجب على الحكومة أن تُلزم القطاع الخاص بصرف إجازات للعمال مدفوعة الأجر، من أجل تجاوز هذه الظروف، وهذه الإجازات مدفوعة الأجر لن تنقص من أرباح أصحاب العمل، لكن هذه الأرباح ممنوع الاقتراب منها حسب السياسات الحكومية.
رأي القانون
قانون العمل رقم 17 لعام 2010 قد نص في المادة 86 على أنه إذا حضر العامل وحالت بينه وبين مباشرته العمل أسباب قهرية خارجة عن إرادة صاحب العمل استحق العامل نصف أجره، ولكن الحكومة لم تُفعّل هذه المادة من القانون مع أنها موجودة، بل تركت الحرية الكاملة لأرباب العمل لاتخاذ ما يحلو لهم من قرارات في إدارة منشآتهم، وأغلبهم ترك عماله بلا أجور بشكل غير قانوني وغير دستوري وغير إنساني.
ولم تُلزم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أصحاب العمل باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع انتشار الفيروس في منشآتهم، ففي جولة في مدينة عدرا الصناعية لم نلاحظ أية إجراءات وقائية قام بها أصحاب العمل لحماية العمال من الفيروس، ولم نرى أي تعقيم للمعامل والمنشآت، أو توزيع الكمامات على العمال، ومن المفروض أن هذه الإجراءات باتت من إجراءات الصحة والسلامة المهنية الضرورية التي يجب أن تفرض عليها رقابة صارمة من قبل وزارة العمل.
وزارة العمل تركت لأرباب العمل الحرية الكاملة في إدارة منشآتهم في هذه الظروف الاستثنائية، ولم تُلزمهم بإغلاقها أو تخفيف ورديات العمل أو باتباع أساليب الوقاية أقل الايمان، بل تركت العامل كما عادتها تحت رحمة رب العمل واندفاعه وراء الربح فقط.
الحلول موجودة ولكن الإرادة غير موجودة
إذا كانت الحكومة لا تستطيع إلزام القطاع الخاص بصرف إجازات مدفوعة الأجر للعمال كان عليها أن تتخذ تدابير استثنائية لمعالجة هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال: أن تقوم بصرف راتب شهر لكل عامل من حساب مؤسسة التأمينات الاجتماعية أو من صناديق الاتحاد العام لنقابات العمال على أن يتم خصمها تقسيطاً من أرباب العمل، أو إضافتها إلى ديون مؤسسة التأمينات الاجتماعية على القطاع الخاص، أو توزيع سلال غذائية على المواطنين بشكل عام تكفيهم لمدة شهر.
هنالك العديد من الحلول والإجراءات الاستثنائية، ولكن الإرادة الحكومية في إنقاذ العمال من الجوع غير موجودة أساساً، ولا هي في حسابات القائمين على رسم السياسات الحكومية، بل جلّ همهم هو زيادة أرباح أرباب العمل، كيف لا وهم يغضون البصر عن الارتفاع الجنوني في أسعار السلع والمواد الأساسية في هذا الظرف الاستثنائي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 959