حريات نقابية وسياسية لمصالح العمال
عادل ياسين عادل ياسين

حريات نقابية وسياسية لمصالح العمال

يكتسب تعزيز العلاقات بين قوى الطبقة العاملة على المستوى الإقليمي والدولي أهميته كون الموقف المفترض الجامع بينها هو: مواجهة القوى المستغِلة لقوة عمل الطبقة العاملة، وبالتالي، يدفع هذا إلى توحيد الجهود المشتركة، ويساهم في اكتساب الخبرات النضالية المتكونة في المواقع المختلفة، لمواجهة العدو الطبقي، وهذا أمر ضروري لتعزيز وتطوير أشكال النضال المشترك باعتبار العدو أيضاً يُطور أشكال استغلاله وآليات نهبه، آخذاً بالاعتبار موازين القوى بينه وبين الطبقة العاملة وممثليها.

والدروس التي يمكن الاستفادة منها على هذا الصعيد كثيرة، سواء في منطقتنا أو على الصعيد العالمي، حيث مرّ النضال النقابي والعمالي بمراحل مختلفة، كان يتصاعد تارةً وينخفض تارةً أخرى، وذلك تِبعاً لعوامل كثيرة لسنا بصدد تعدادها، ولكن أهمها، هو: التغيّر في موازين القوى، وجذرية القوى المدافعة عن حقوق ومكاسب الطبقة العاملة، وفي مقدمتها: الحقوق الاقتصادية والسياسية والديمقراطية، التي يسعى العدو الطبقي- كلما أتيحت له الفرصة- إلى الانتقاص منها أو ضربها سواء بالترغيب أو بالترهيب.
والآن تبدو الأمور أشد وضوحاً من حيث انكشاف الموقف الذي تجنح إليه القوى الرأسمالية في مواجهة وباء كورونا، وإمكاناتها في تقديم ما يحتاجه الناس من أشكال الرعاية والاستشفاء من الوباء، حيث تفضل الشركات الكبرى ومعها الحكومات على استمرار عملية النهب من خلال تقديم كل الدعم للمصارف والبورصات والمؤسسات المالية الأخرى التي أخذت بالانهيار بسبب دخول الأزمة الرأسمالية طوراً جديداً تتصاعد آثاره الكارثية على مصالح الشعوب عامة، فتزداد فقراً وتتمركز الثروة أكثر وترتفع البطالة والجوع أكثر، مما يهدد تفاقم هذا الوضع بكوارث إنسانية غير مسبوقة وتصبح إمكانية المواجهة أعلى، وقد بدأت ملامحها تظهر من حجم الإضرابات التي تعم المراكز الإمبريالية احتجاجاً على أوضاعها واحتجاجاً على سلوك الحكومات الغربية تجاه مسؤوليتها في تأمين العلاج المطلوب من الإصابة بالداء المستجد، حيث أعداد الموتى بالدول الغربية في تزايد والإصابات في تزايد أيضاً، وهذا الوضع ينطبق على الوضع في أمريكا، حيث النظام الصحي هشّ ولم يستطع التصدي للجائحة المميتة للفقراء عموماً، وبالمقابل الدول التي كانت توصف بالدول الديكتاتورية ولا ديمقراطية ونظامها شمولي، نجد أن هذه الدول ليس فقط تمكنت من مواجهة الوباء ، بل الآن تمد يد المساعدة لجميع الدول بما فيها الدول الغربية، وتنقل لها خبرتها وخبرة نظامها الصحي المتماسك على أساس الحق بالضمان الصحي وما يلزم عمله من أجل ذلك.
إن تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وتفاقم الأزمة العامة للرأسمالية سيدفع إلى الواجهة موجات جديدة من الحراك الجماهيري، ومنها الحراك العمالي الذي سيدافع ليس عن حقوقه القانونية كما يفعل العمال الفرنسيون بل سيكون الحراك في مواجهة ضارية مع الحكومات المدافعة عن الشركات الرأسمالية، بسبب حالة الجوع التي يعاني منها العمال نتيجة التسريح من العمل وإغلاق أماكن العمل وحرمانهم من أجورهم وصناديق المساعدة التي كانت تعمل بحدودها الدنيا، حيث ارتفعت نسب البطالة إلى أرقام كبيرة، وهذا عكس ما كان يتباهى به الرئيس ترامب من عمله على تخفيض نسب البطالة وتأمينه للآلاف من الوظائف، حيث انهار هذا الوضع من أول دخول الأزمة الوبائية والأزمة الرأسمالية إلى عقر دارهم.
في منطقتنا العربية لسنا استثناءً طالما أنظمتها السياسية التابعة ونموذجها الاقتصادي قائم على السياسات الليبرالية الذي كرس الفقر والتهميش والبطالة وراكم الثروات ومركزها بيد قوى الفساد الكبير، التي تحاول الآن التظاهر بالدعم الذي تقدمه للفقراء من أجل مواجهة الوباء، بينما هي بسلوكها وعمليات نهبها لما ينتجه العاملون بأجر أدت إلى وصول الناس إلى حافة الجوع والعوز الذي يتباكون على تفاقمه، وما وصلت إليه حال الناس.
من هذا الوضع لابد أن تتحمل الحركات النقابية مسؤوليتها في الوقوف إلى جانب الطبقة العاملة، وهذا سيكون مخرجاً لها من الإرث الذي تحمله في العلاقة التشاركية مع الحكومات التي أدت إلى ما أدت إليه من كوارث إنسانية واقتصادية.
في اللقاءات التي تجري بين النقابيين سواء في منطقتنا العربية، ومنها: سورية، أو على الصعيد العالمي، تجري نقاشات هامّة من حيث الشكل حول أشكال المجابهة مع الأعداء الطبقيين، وتُقرّ الكثير من التوصيات وتُصدر البيانات، ولكن تذهب جميعها أدراج الرياح بعد عودة الوفود إلى بلدانها، والسبب الجوهري في هذا، أنّ معظم الحركات النقابية وخاصةً في منطقتنا قراراتها مرهونة لحكوماتها، وحكوماتها هي من تتبنى السياسات الليبرالية، التي في جوهرها معادية لمصالح وحقوق الطبقة العاملة، وهذا تناقض كبير تقع به الحركات النقابية، ويجعلها غير قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية التي تُمكّن الطبقة العاملة من انتزاع حقوقها.
السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي فرضتها الإمبريالية على الشعوب، وخاصةً الفقيرة منها، لعبت دوراً أساسياً في تفاقم الظواهر المختلفة من فقر وبطالة وتهميش، وهذا يفرض على النّقابات والطبقة العاملة خوض نضالات متعددة الأوجه لإسقاط تلك السياسات الظالمة، باعتبارها المصدر الأساس في توالد الفساد الكبير والإرهاب والفاشية بأشكالها وألوانها كلها، ومن هنا تأتي أهمية تبني مواقف واضحة من تلك السياسات، وفي المقدمة منها: تأمين مستوى متقدم من الحريات النقابية والديمقراطية يُمكّن العمال من انتزاع حقوقهم كل حقوقهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
959