الأجور زادت والضريبة بقيت والهم مستمر!
بُحَّت حناجر العمال والنقابيين في كل منابرهم من أجل زيادة في الأجور تمكنهم من سد الثغرات الكبيرة في مستوى معيشتهم ومتطلباتهم الحياتية من غذاء وكساء وطبابة وأجور سكن وتعليم ومواصلات وغيرها من الأمور التي لا مجال لتعدادها، لأن المتطلبات تزداد ولا يمكن تلبيتها بهذه الأجور الزهيدة التي طال انتظار زيادتها، ولكن الحكومة ومنظريها الاقتصاديين كانوا يتحفونا بمواقفهم التي مفادها ليس هناك زيادة إن لم يتدفق علينا الاستثمار، وإن لم يتحسن الوضع الإنتاجي، ولكن لم تتدفق تلك الاستثمارات ولم يتحسن الوضع الإنتاجي وخلافه، ومع هذا خرجت الزيادة على الأجور ماذا يعني هذا؟ ما هي المتغيرات عند الحكومة التي جعلتها تصدر زيادة على الأجور؟ هذه أسئلة لا إجابة عنها، ولكن ربما الوقائع ستجيب عن تلك التساؤلات.
بالعودة إلى الزيادة المعلنة والتي هي لا تغطي ولو جزءاً يسيراً من وسطي تكاليف المعيشة المقدرة بما ينوف عن 300 ألف ليرة سورية، برغم ذلك فإن الزيادة هذه ستتحمل قدراً عالاً من العبء الضريبي حسب المرسوم التشريعي رقم /46/ لعام 2015 ليس هذا وحسب، بل ستتحمل أعباء أخرى، مثل نسبة الانتساب للنقابات مع توابعها والبالغة 3% من الأجر المقطوع وارتفاع نسبة الاشتراك في التأمينات الاجتماعية البالغة 7% من الراتب المقطوع كل هذه الاقتطاعات ستتحملها الأجور، وبالتالي ستصبح الفائدة المرجوة منها أقل بما لا يقاس مع الواقع الذي يعيشه العمال والموظفون المشمولون بالزيادة المفترض تغييره أو تحسينه، هذا جانب، والجانب الأخطر، هو تآكل الأجور قبل الزيادة وبعدها بسبب أسعار الصرف المتغيرة في كل لحظة مع تغير سعر الدولار التي تسببت بارتفاعات عجيبة بالأسعار ليس لها مبرر ولا قانون سوى قانون الاحتكار الذي يُهيمن على الأسواق وما فيها من مواد متحكم بأسعارها.
طالما نحن ما زلنا في موضوع الزيادة هناك شريحة كبيرة من العمال لم تشملها الزيادة، وهي متروكة لإجراءات قد تقوم بها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمعية أرباب العمل من أجل رفع أجور عمال القطاع الخاص وقد لا تحدث تلك الزيادة لهم، وفي هذا الموضوع سوابق مع آخر زيادة حصلت، حيث لا يوجد ما يجبرهم على الزيادة بسبب قانون العمل رقم /17/ الذي حدد شكل العقد بين العامل ورب العمل على أساس العقد شريعة المتعاقدين، وبهذا قد يفقد العمال في القطاع الخاص حقهم في زيادة أجورهم ومن أجل تحقيق الزيادة سيلجأ العمال إلى طرقٍ أخرى ينتزعون بها حقهم في زيادة أجورهم.
إن المطلب الأساس الآن كيما تكون الزيادة الأخيرة تحمل قدراً من التحسين في الوضع المعيشي هي:
تخفيض النسب الضريبية على أجور العمال بشكل عام.
إعفاء الحد الأدنى من الأجور البالغ 47675 ل.س من الضريبة.
فتح سقف الأجور لكل الفئات، وعدم تحديدها بمبلغ يصل إليه الأجر.
إن نسب الضرائب على الأجور عالية وتصل إلى حدود الـ 22% وهذه النسب ليست عادلة قياساً بما يتم من التهرب الضريبي الكبير، وكذلك من التكليف الضريبي للتجار والصناعين والمهن التي لديها دخل عالٍ، والتي لا تدفع من الضرائب إلا القليل ولا تصل نسبة دفعهم لما هو متوجب على العمال وأصحاب الأجور أن يدفعوه، لأن أجور العمال متحكم بها، بينما التكليف الضريبي المفترض على غيرهم يمكن التلاعب به بأشكال مختلفة وتقدم بيانات غير متطابقة مع الأرباح المتحققة لديهم بفعل عوامل كثيرة لا نريد الخوض بها.
أحد الاقتصاديين قال على محطة إذاعية إن الزيادة ستخفض المبلغ المصروف على الغذاء من 80% إلى 50% شرط عدم رفع الأسعار هذا يعني حسب الكلام أن الزيادة ستحقق وفراً لدى العمال مقداره 30% سيصرفها العمال على ملذاتهم الشخصية في حال لم ترتفع الأسعار، ولكن الأسعار ارتفعت قبل الزيادة بشكل جنوني وارتفعت بعد الزيادة أيضاً، مما يعني أن زيادة الأجور قد تبخرت مسبقاً ولن «يتبهنكوا» العمال من الوفر الذي قال عنه الخبير الاقتصادي، بل ستزيد المعاناة أكثر ومعها سترتفع متطلباتهم، لأنَّ ما كانوا يحصلون عليه قبل الزيادة لن يحصلوا عليه بعد الزيادة بالرغم من أن الحكومة قد وجهت وزاراتها لضبط الأسعار، وللضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه أن يتلاعب بالأسعار، ولكن كيف سيتم ذلك، وما هي الآليات والأدوات التي سيتم بها قمع المعتدين على أجور العمال لم يقل لنا أحد؟
الحكومة وعدت بحزمة من الإجراءات لضبط سعر الصرف وضبط الأسواق وهذه الإجراءات تتضمن إصلاحاً حقيقياً في منظومة الأجور والرواتب، وهذا القول على ذمة الخبير الاقتصادي، وهو متفائل بتلك الحزمة التي كان من المفترض القيام بها مبكراً، بحيث لا يحدث ما هو حادث الآن من ارتفاعات صاروخية في سعر الصرف، والتي نتيجتها إلى الآن كارثية على الليرة السورية من حيث القدرة الشرائية، وعلى مجمل الاقتصاد، وخاصة الصناعة التي تعيش حالة كساد وشبه توقف عن الإنتاج.
إن الإجراء الحقيقي الذي يمكن أن تقوم به الحكومة على هذا الصعيد هو الإمساك القويُّ بالسوق من حيث الاستيراد والتوزيع والتسعير، أي أن تعود إلى دورها المفترض الذي كلفها به الدستور، وألَّا تترك كل تلك الأمور لحفنة من الفاسدين والمحتكرين الكبار ليتحكموا برقاب العباد وبلقمتهم
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 941