المقاطعة موقف
خالد أحمد خالد أحمد

المقاطعة موقف

الإحجام الكبير عن خوض الانتخابات النقابية والتي وصلت لدرجة المقاطعة، هذه بحد ذاتها رسالة بغاية الأهمية بعثها العمال إلى قيادة الحركة النقابية أولاً. وإلى الجهات التي تفرض وصايتها على نقابات العمال.

سياسة النقابات هي السبب

لقد حذَّرنا النقابات سابقاً من فقد ثقة العمال بها وانفضاضها من حولها بسبب الشعارات التي طرحتها النقابات خلال السنين الماضية (نحن والحكومة شركاء) والتي أوصلت الطبقة العاملة إلى حافة الجوع من خلال التغاضي عن هضم حقوق العمال، والسكوت عن الهجوم على مكتسباتهم التاريخية، وعجزها عن إيصال صوت العمال إلى الحكومة وفشلها في فرض رؤيتها، وفي اتخاذ موقف لصالح العمال، لهذا ظهرت النقابات في أحسن أحوالها كطرفٍ وسيطٍ بين العمال وأرباب العمل وليست جهة مدافعة عنهم.
كل هذا بسبب إحجام النقابات عن استخدام الأدوات النضالية التي أقرّها الدستور الجديد للطبقة العاملة في تحصيل حقوق العمال والدفاع عن مصلحتهم، بل ظلت القيادات النقابية متمسكة بشعار نحن والحكومة شركاء حتى باتت النقابات في نظر العمال شريكة في الهجوم على حقوقهم، أو على أقل تقدير مجرد مؤسسة وظيفتها تبرير السياسات الحكومية، وإضفاء الشرعية على قراراتها، واحتواء أي تحرك جدي للعمال نحو الدفاع عن حقوقهم. وبالتالي، فقدوا الثقة بهذه المؤسسة وبوظيفتها ويمكن أن يصل الأمر إلى أن ينفضوا عنها نهائيا، وتركها تموت كما تتمنى لها قوى رأسمال.

الوصاية على النقابات

عدا عن التدخلات الأمنية والحزبية في انتخابات النقابات والتي نتجت عن استمرار تطبيق المادة الثامنة من الدستور السابق، والتي تعزِّز فكرة عدم جدوى النقابات وعدم جدية انتخاباتها، طالما أن القوائم جاهزة ولن يصل سوى من تريد القيادات الأمنية والحزبية إيصاله، وبالتالي لن يكون هذا سوى شخصٍ مكبلٍ بشروط من أوصله إلى منصبه، وهو عبارة عن موظف ينفِّذ ما يؤمر به من تلك الجهات، ولا يجد أية استقلالية في اتخاذ أيّ قرار، لأنه بقرار واحد يجد نفسه مطروداً.

جرس انذار

نتائج هذه الانتخابات والرسائل التي بعثها العمال من خلالها يجب أن تقرع جرس الإنذار بالنسبة للنقابات والقائمين عليها الذين يدعون تمثيل العمال، فاذا لم تتوقف السلطة التنفيذية عن التدخل في النقابات، وتطبق المادة الثامنة في الدستور الجديد، ويقطع بشكل كامل مع شعار نحن والحكومة شركاء، واستبداله بالأدوات النضالية والدستورية، ومنها حق الإضراب في سبيل وقف تدهور أحوال الطبقة العاملة، فربما في الدورة الانتخابية القادمة لن تكون النقابات موجودة، فبهذه الوسائل فقط نضمن عودة العمال إلى التفاعل مع النقابات، وإعادة ثقتهم بها كمدافع عن حقوقهم، لا سيما أنّ المرحلة المقبلة عليها البلاد تدور في فلك المادة الثامنة (الجديدة) جدياً وواقعياً، وهذا بحد ذاته سلاح ذو حدّين، فمن جهة يؤمن الحريات الكاملة للعمال في اختيار ممثليهم، ومن جهة أخرى يشكل خطراً على النقابات إذا أصرّ القائمون عليها الاستمرار في سياساتهم الحالية، وهو ما قد يؤدي إلى انفضاض العمال عن النقابات الحالية، وهنا سنكون أمام حالة انقسام في الحركة النقابية وتشتيت لنضالات الطبقة العاملة، وهذا ما تدفع به الحكومة ومن ورائها قوى رأس المال، من خلال سن عدة قوانين للعمل، والعمل على تفريغ النقابات من محتواها النضالي، وتحويلها إلى مجرد جمعيات خيرية تمهيداً لسلخها عن قاعدتها العمالية، وهو على ما يبدو أنها نجحت إلى حد ما في الوصول إلى هدفها هذا.
لقد حان الوقت للعودة إلى القواعد العمالية وسماع صوتهم قبل فوات الأوان، وإنقاذ النقابات كمؤسسة وحيدة ممثلة للعمال ومدافعة عن حقوقهم، وقد منحها الدستور الحق في الاستقلال وفي استخدام الوسائل النضالية المشروعة لفرض رؤيتها وتعزيز مواقعها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
938
آخر تعديل على الإثنين, 04 تشرين2/نوفمبر 2019 11:26