قانون العمل رقم 17 من يملك حق الفيتو؟!
تناولت «قاسيون» في عدديها السابقين لائحة الجزاءات في القانون رقم /17/ للقطاع الخاص، والتي اعتمدت نظاماً داخلياً لدى الكثير من معامل القطاع الخاص بعد موافقة وزارة العمل، وقد رصدنا بعض اجتهادات أرباب العمل في كيفية فهم المواد الواردة في لائحة الجزاءات وتطبيقاتها الانتقائية على قياس مزاج صاحب العمل، وعلى حساب العمال «الحلقة الأضعف» في قانون العمل رقم /17/ الذي سحب جميع المكاسب العمالية التي تحققت بالنضال المستمر للطبقة العاملة السورية في مراحل سابقة، وسنعرض قسماً آخر من اجتهادات المضحك والمبكي في الآن معاً، التي يتم فرضها وفق مزاج ومصالح صاحب العمل وتتعلق بكيفية تحديد الأجر كيف يحدد الأجر؟!.
القانون /17/ لعام 2010 يمنح أرباب العمل اليد العليا في تحديد أجور العاملين، والمكافآت، بالإضافة إلى قدرة رب العمل على تسريح العمال، فالعقد شريعة المتعاقدين، ومن يملك يحكم ويفرض شروطه.
القانون /17/ يترك لصاحب العمل تحديد أجور العمال، من خلال عقد العمل، الذي يعّرفه القانون بأنهُ العقد الذي يلتزم بموجبه العامل بالعمل لدى صاحب العمل، وتحت سلطتهِ وإشرافه مقابل أجر، الأجر الذي يتفق عليه الطرفان حسب القانون، هذا الاتفاق يعكس إرادة ورغبة صاحب العمل، فغياب نقابات العمال في القطاع الخاص بشكل كبير جعل أصحاب العمل يحددون الرواتب والأجور دون وجود طرف مقابل، يقومون بالتفاوض معه، ويعمل على استعادة حقوق العمل، وفي مقدمتها الأجر القادر على تأمين تكاليف المعيشة، يضاف إلى ذلك مستويات البطالة المرتفعة والتي تراوحت خلال الفترة 2000-2010 بين 10-12% مرتفعة إلى حوالي 50% مع سنوات الأزمة لتصبح سمة أساسية من سمات سوق العمل.
تراجع دور الدولة والتوجه نحو القطاعات الريعية، على حساب قطاعات الإنتاج الحقيقي ساهم في عجز الاقتصاد على خلق فرص عمل في القطاع العام أو الخاص. فإن القانون ينص على أن الأجور لا يجوز أن تقل عن الحد الأدنى العام للأجور الذي يبلغ اليوم حوالي 16800 ألف ل.س.
القانون /17/ يعطي عمال القطاع الخاص «الحق في الحصول على زيادة دورية للأجور مرة كل سنتين بمعدل 9% تتغير وفق معدل التضخم وارتفاع الأسعار على أساس النظام الداخلي أو عقد العمل « دون تحديد نسب الزيادة المناسبة لتغير معدل الأسعار، بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من معامل وورش القطاع الخاص لا تمتلك نظاماً داخلياً، وعقود العمل بأغلبها لا تنص على زيادة الأجور، بما يعني حرمان عمال القطاع الخاص من حقوقهم في الحصول على زيادة دورية للأجور خلال الفترة 2005-2011 ارتفعت الأجور الوسطية في القطاع الخاص بنسبة 54%، بالمقابل ارتفعت أسعار السلع والخدمات خلال الفترة ذاتها بمعدل 149%. وبالتالي، كان هناك تراجع في الأجور الفعلية للعاملين في القطاعين، بالإضافة إلى ذلك ازدادت الفجوة بين أجور القطاع العام والخاص من 14,5% في عام 2005 إلى 51% في عام 2011 كنتائج لسياسة اقتصاد السوق الاجتماعي الليبرالي المطبقة خلال الفترة المذكورة.
التفاوت بالأجور سمة العمل الخاص القانون /17/ ينص على «أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص لا يقل عن الحد الأدنى العام للأجور» دون تحديد الحد الأقصى للأجر، نسب الزيادة الدورية، ولا يتضمن تقسيم الوظائف والأجور حسب المؤهلات كما في القطاع العام، فالأجر يحددّ من قبل صاحب العمل على أساس عقد العمل، فالقانون يشرعن التفاوت في الأجور بين العاملين في القطاع الخاص من جهة، وبين العاملين والإدارة من جهة أخرى، إنّ تراجع الأجور الوسطية للعمال وانعدام المساواة، وزيادة التفاوت في مستويات الأجور، هو أحد سمات العمل الخاص، حيث إن الفرق بين سقف الأجر للعاملين ضمن الفئة الأولى والفئة الخامسة في قطاع المال، والتأمين يصل إلى حوالي 60 ألف ل.س شهرياً، بينما تصل أجور الإدارات الفرعية لحوالي 500 ألف ل.س وسطياً، ليكون الفرق بأكثر من ثمانية أضعاف.
إن قيمة قوة العمل شأنها كشأن أيّة بضاعة أخرى بشكل عام، لكنها تختلف بعرضها في سوق العمل حسب العرض والطلب، لكن لا يجوز أن تنخفض عن معدّل الحد المتوسط للمعيشة، وهذا الحد عادة متغيّر حسب الظروف المعيشية في كل بلد، وقيمة قوة العمل ليست مقولة عرضية فجذورها موجودة في علاقات الإنتاج، لكنها لا تكون واضحة دائماً، حيث لايزال الحد الفاصل- بين العمل بمقابل، والعمل دون مقابل- مغموراً أو ضائعاً بصيغة العقد المبرم بين العامل ورب العمل، ويحدد بشكل أجر محدد مقابل ساعات عمل محددة، وتظهر كأنها مدفوعة الأجر كاملاً. وبهذا يقوم رأس المال بتحويل قيمة العمل إلى شكل وهمي كأجر، ويتم دفع الأجر بعد إنجاز العمل، كما يعمل على أن تتباين الأجور حسب المردود الفردي، ونلاحظ هذا واضحاً في نظام الأجر بالقطعة وبهذه الصيغة الملتوية يستطيع رب العمل أن يكثف العمل ويراكم رأس المال.
إذاً، المحدد الأساس لقيمة قوة العمل، هو: مستوى متطلبات المعيشة الناتجة عن الظروف الاجتماعية التي يعيشها العمال والتي نشأوا في ظلها. أما العمال في صراعهم مع أرباب العمل لا بد لهم من تنظيم أنفسهم أيضاً، ويكون هذا الصراع من خلال النقابات التي تهدف إلى الحيلولة دون انخفاض سعر قوة العمل «الأجر» إلى مستوى أدنى من قيمتها، فالتنظيم والنضال العمالي والنقابي ضروريان حتى لا يجد العامل نفسه مجبوراً على قبول أجر متدنٍّ، بغض النظر عن العلاقة العامة بين العرض والطلب، وهذا الصراع مرتبط بقدرة التنظيم النقابي «الحركة النقابية» على معرفة هذه العلاقة بين الأجر وقيمة قوة العمل، إضافةً إلى قدرتها على توحيد صفوف العمال، واستخدامها لأدواتها النضالية الفعالة، لتكون قوة حقيقية قادرة على أن تفرض شروطها في تحسين شروط العمل من أجرٍ معادل لمستوى المعيشة، وغيره من الحقوق المسلوبة. وسنأتي على المعوقات التي يضعها أرباب العمل أمام دخول النقابات على أماكن العمل وللحديث صلة ..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 932