في (شهر الخير) لسنا بخير (3)

في (شهر الخير) لسنا بخير (3)

تتمة لما بدأناه على مدى عددين من عرض لحوارات أجريناها مع بعض العاملين في قطاعات إنتاجية وخدمية مختلفة، نسلط الضوء في هذه المادة على شريحة أخرى منهم، لا تختلف عن مثيلاتها بشكل عام، ولا تغيب الخصوصية عنها، وليست تلك الخصوصية هنا أو هناك، إلّا إضافة نوعية تفيد بطريقة أو بأخرى أصحاب الشأن.

موظف حكومي و(كومجي)

التقينا العديد من العاملين في قطاعات كثيرة، هم في الأساس عمال موظفون في قطاع الدولة أحمد واحد منهم، موظف في شركة الكهرباء في قسم صيانة الشبكات تختص ورشته وقسمه الفني في إصلاحات أعطال الشبكة متوسطة التوتر، يخبرنا عن واقعه الوظيفي وتشابكاته وصعوباته التي لا تنتهي، وينقل لنا حجم الظلم والجور الممارس على عمال هذا القطاع وسائر موظفي الدولة، سواء من الرواتب الهزيلة، أو من غياب الحوافز وطبيعة العمل.
اعتاد أحمد أن يكون صريحاً وواضحاً، يُحب أن يسمي الأشياء بمسمياتها، اختار العمل بعد انتهاء دوامه في محل تصليح إطارات السيارات (كومجي) مستفيداً من قوته البدنية ومن مرونة الدوام في هذا المحل، وقربه من مسكنه المستأجر والكائن على المدخل الجنوبي للعاصمة، يقول أحمد: ما حاجك إلى المرّ إلا الأَمرّ منه.

استفدنا طاق واستفادوا مئة طاق

يضيف أحمد: أنا من أبناء الريف توظفت على شهادة البكالوريا الصناعية، وأصبحت موظفاً في مؤسسة الكهرباء، وكنت أعمل وأهتم في أرضي بعد انتهاء الدوام الرسمي، أرض صغيرة فيها أشجار تفاح، أسوقها محصولها في الموسم، وتدر علي دخلاً إضافياً يكفيني مع راتبي لتدبّر أمر معيشة عائلتي، ولم تدم تلك المرحلة طويلاً، فمع مرور السنين وصولاً لما قبل الأزمة بقليل أصبحت الأرض بتفاحها مجرد عبء ( ما تجيب همها)، إضافة إلى أنّ الراتب أيضاً لم تعد فيه بركة، ما يؤمنه الراتب بداية التسعينات يعجز عن تأمينه خلال هذه المرحلة، وحينها عملت في تمديد الكهرباء المنزلية بعد الدوام، وأهملت الأرض والتفاح، واستفدت من فورة البناء التي اجتاحت الأرياف الدمشقية، وواصلنا الليل في النهار، حركة البناء الزراعي والعشوائي كانت ضخمة وكثيفة، كانت مواردنا جيدة لكن الموارد الحقيقية كانت تذهب لجيوب تجار تلك المرحلة وفاسدي مؤسسات الحكومة، في تلك الأيام وخلال رمضان كنا نعمل طوال الليل ونتوقف في النهار، كانت هذه الساعات كافية كمردود مالي جيد، وكنا نمارس شهر الصيام بكامل طقوسه وعاداته المحببة.

لن أطعم أولادي مالاً حراماً

يسترسل مضيفاً بحديثه: سرعان ما تراجعت حركة البناء ومردودها المادي وتراجعت معها قيمة الراتب (القصة مربوطة ببعضها تماماً)، بعدها دخلنا مرحلة جديدة استمرت حتى بداية الأزمة وخلال السنين الأولى ( جابت أجلنا عالآخر)، في بداية 2015 حسب ما أذكر بدأت سلسلة قرارات الحكومة برفع الدعم (وبلش الدولار يطير والأسعار تطير معو) حين تم منحنا التعويض المعيشي على مرحلتين، كان (اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب) وصار الراتب (متل قلتو بهالوقت اشتغلت عند هالمحل كومجي) ليش؟ لأني ما باكل حرام، «بوظيفتي بيصحلنا كتير مهندسين وفنيين وعمال»، (إذا بدنا نصلح عطل منعمل لمية من الحارة اللي فيها العطل، أو عطل معمل مثلاً، وأنا ما باخد ما باكل حرام ولا بطعمي ولادي حرام)، في رمضان أفطر في المحل، لأن صاحب المحل يذهب للإفطار، ولدي يحمل لي صينية الإفطار من البيت ويفطر معي، هذا ثالث رمضان على هذه الحالة، أجري اليومي 3 ألاف ليرة، وساعات العمل من 4 عصراً حتى الثانية عشرة ليلاً، المشكلة أين ؟ المشكلة أننا وحدنا من ندفع ثمن الأزمة نحن وحدنا الفقراء، المتنفعون والفاسدون يصولون ويجولون وينهبون على مزاجهم (مافي شي مخبا بهالبلد كلنا منعرف هالشي، والحكومة بتعرف، والإعلام بيعرف بس معرفة فاضية، لا الحكومة بتتصرف ولا الإعلام بيحكي)، تشعر بأن كل الجهات المسؤولة تعادي الفقراء والشرفاء، سأجيبك عن التفاؤل، لا شيء يدعو للتفاؤل سوى هؤلاء الناس الطيبين الصادقين أولاد البلد الحقيقيين، نحن أرض حضارة، وهذه الفترة مجرد غلط تاريخي صغير، إلّا ما تفرج وتعتدل الأحوال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
916
آخر تعديل على الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2019 16:06